Site icon IMLebanon

جبهة الجنوب: هل تقع “إسرائيل” في الخطأ التاريخي؟ 

 

تحت عنوان حاجة “إسرائيل” لإنجاز إستراتيجي.. تتمحور النقاشات الإسرائيلية الرسمية، بحيث تقول وجهة النظر السائدة في هذه المرحلة أن ما تَحقق حتى الآن في غزة لا يعدو كونه نصراً تكتيكياً وبالتالي لا يكفي لترميم صورة “إسرائيل” التي تحتاج الى نصر إستراتيجي للتعويض عن الهزيمة الإستراتيجية في السابع من تشرين الأول من العام الماضي.. ولترميم هذه الصورة يجب التعامل مع الخطر الماثل في الشمال بتوجيه ضربة كبيرة للبنان لإعادة ثقة المستوطنين وإقناعهم بالعودة الى مستوطنات الشمال.

 

كلام يتكرر على ألسنة المسؤولين الصهاينة وكأنه مقاربة رسمية صهيونية بين التمنّي وعدم القدرة، يأخذ طابع الخروج من مستنقع الجنوب والغرق في مستنقع الشمال، إلا أن ذلك لا يعني سوى أن الإسرائيلي في مأزق يَعجز عن إخراج نفسه منه، كما يَعجز الأميركي عن إخراجه منه أيضاً..

 

التهديد الإسرائيلي لجبهة جنوب لبنان لا يختصره سبب الهروب من مأزق غزة وإنما هناك سبب آخر لا يمكن للعدو الصهيوني أن يتخطاه ألا وهو أن لبنان لازال التهديد الوجودي الأساسي الذي يسلب الأمن من المستوطنات ولذلك يحاول الإسرائيلي إستدراج المقاومة لاستخدام أسلحة نوعية ليُبرِّر أمام الرأي العام العالمي نواياه العدوانية ويستقطب التعاطف الأميركي أو لكي يورّط الأميركي بتوسيع مظلة الحماية من غزة الى لبنان وهذا الأمر يُقلق الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة ولذلك لا تمل من إرسال الموفدين والوسطاء لمنع توسيع دائرة الحرب، وهذا لا يعني أن الأميركي لن يدعم أي عدوان إسرائيلي على لبنان في حال ارتكبت إدارة نتنياهو هذه الحماقة.

 

الأميركي لا زال يناور ولا يمارس الضغوط الكافية لأنه لا يريد كسر هيبة الحكومة الإسرائيلية وتشجيع المعارضين على فتنة داخلية، كما أنه لا يملك الأكثرية الكافية في الكنيست الذي يسيطر عليه اليمين، فحتى المعركة التي تدور حول ١٤ مقعداً داخله لا زال نتنياهو يحافظ على ثقتهم كما تقول صحيفة معاريف الإسرائيلية.

 

أما لناحية الإنقسام الداخلي الإسرائيلي فهو ليس محصوراً بالملف اللبناني بل بطريقة وأولويات إدارة الحرب في غزة، ففريق نتنياهو يريد إحراز مكاسب سياسية طويلة الأمد من خلال فرض أمر واقع عسكري في غزة، وفريق غانتس-كوخافي يرى الأولوية بإجراء صفقة تبادل وإطلاق سراح الأسرى.

 

وفيما يتعلّق بالرأي العام داخل الكيان فهو رأي عام غير واقعي لأنه يطلب النقيضين: الأول: حل مشكلة الأسرى، والثاني: حفظ الأمن، وأحد الملفين يُناقض الآخر، فحل مشكلة الأسرى يعني وقف إطلاق نار دون نضوج تصوّر حول اليوم التالي للحرب، وحفظ الأمن يحتاج الى إطالة أمد الحرب لفرض وقائع لصالح حفظ الأمن…

 

هذا من الجانب الإسرائيلي أما من الجانب اللبناني، بحيث تتعامل المقاومة بناءً على تكتيك الردع وإبقاء حالة الإستنزاف والوفاء بالإلتزام الأخلاقي تجاه أهل غزة مع الأخذ بعين الإعتبار إحتمالية تدحرج المواجهة نحو حرب واسعة يقوم بها العدو بضرب البنية التحتية ومراكز خارج دائرة الإشتباك بقوة نارية كبيرة، الأمر الذي يدعو الى الجهوزية للرد الصاعق من قِبل المقاومة للجم العدو ومنعه من تهديد أمن المدنيين في لبنان، وهذا ما يبدو واضحاً للإسرائيلي ويردعه عن القيام بهذه الخطوة حتى اللحظة ويظهر ذلك بتخبّط وتعارض تصريحات مسؤوليه العلنية.

 

المقاومة الإسلامية تعتمد في استراتيجية الردع على ثلاثة عناصر:

 

١- التكتيكات الميدانية.

 

٢- إغلاق الهوامش السياسية ورفض التفاوض مع الموفدين الى ما بعد وقف إطلاق النار في غزة.

 

٣- مصداقية وعود الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقدرته على بيان الموقف الذي يضعه العدو في سياق الحرب النفسية وهذا ما يُشكِّل حالة مناعة للجبهة الداخلية للمقاومة.

 

عانت المقاومة في بداية الحرب لكي تتكيّف مع معركة من نوع جديد كما وصفها السيد نصرالله، لأنها كانت بُنيَتها وفكرتها طيلة الفترة السابقة تتركز على العملية الكبرى أي إقتحام الجليل، فأي فعل إسرائيلي اليوم يُتيح للمقاومة أن تلعب الدور الذي خططت له من عام ٢٠٠٦، لذا فإن المصلحة الصهيونية إذا أرادت الإستمرار في الحرب أن تبقى بهذه الوتيرة أي ضربة بضربة، والذي يستطيع أن يُسجِّل بوعي الآخَر مَن هو أقدر وأعرف يكون انتصر، أما إذا فكّر الإسرائيلي أبعد من ذلك أي ترجمة ما يقوله فعلياً فيكون قد وقع في الخطأ التاريخي.

 

إذاً.. رغم التهديد الإسرائيلي فهو ليس لديه ضمانة بتحديد دائرة ومدى المواجهة مع المقاومة حتى الآن، لذا ينتظر التدحرج من جهتها ليُظهِر نفسه في موقع الدفاع لأنه يعلم أن كلفة الهجوم إعلامياً وسياسياً ونفسياً ستزيد من حرج الإدارة الأميركية وحرج القيادة السياسية في “إسرائيل” لأنه لا يمكن شن هجوم دون تحديد أهداف، وهذا الخطأ ارتكبه الإسرائيليون في حرب غزة ولذلك لم يَخرجوا حتى الآن بصورة نصر واحدة، فكيف إذا تكرر المشهد في جنوب لبنان؟؟!!