IMLebanon

جبهة الجنوب بين ترقّب “قواعد الإشتباك” والخطط غير المكشوفة

 

رغم أهمية عنصر المفاجأة والحزم لحركة «حماس» فجر «7 أكتوبر»، إلّا أنّ الترجمة العملانيّة لعمليّة «طوفان الأقصى» ترتبط حصراً بمآل الوضع النهائي، واتضاح فظاعة الردّ الإسرائيلي على حركة «حماس»، بعدما عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى مساندة إسرائيل بأسطول حربي للحدّ من المخاطر التي تواجهها؛ وذلك باستخدام أكبر حاملة طائرات أميركية في «الحرب النفسيّة» مع محور المقاومة، لجهة التهويل ورفع معنويات الإسرائيليين بعيداً من الإنخراط راهناً، في الأعمال القتاليّة وتخطي قواعد الإشتباك الثابتة مع فصائل المقاومة على غرار ما يحصل بين «حزب الله» وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية.

أمام اتساع مروحة التصعيد العسكري الإسرائيلي للقضاء على حركة «حماس»، كشف العميد المتقاعد ناجي ملاعب لـ»نداء الوطن» أنّ «إعلان إسرائيل أنّها في حالة حرب، وقيامها بإبادة الشعب الفلسطيني يتخطيان كل قواعد الإشتباك على المستوى العسكري، ويُفقد القانون الدولي احترامه»، لافتاً إلى أنّ قواعد الإشتباك فرضت بعد 1996 مع تدخل فرنسا وأميركا وسوريا ومصر، والإتفاق على أنّ الردّ على استهداف المدنيين سيكون باستهداف مدنيين من الطرف المقابل، مؤكداً أنّ «الحرب الإنتقامية» التي أعلنها نتنياهو تتخطى أي استراتيجية عدوانية وتضرب جميع القواعد والقوانين الدولية.

 

وعن مكانة لبنان في الأحداث المستجدة، أوضح أنّ «لبنان هو البلد الوحيد المخوّل عبر حدوده الجنوبية التحرّك أو الطلب من المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة «حزب الله» التحرّك للتخفيف من العدوان على قطاع غزة، بموجب شعار «وحدة الساحات» الذي أعلن بعد عملية «سيف القدس» قبل سنتين وعملية «ثأر الأحرار»، ولاقى تأييد «الحشد الشعبي» في العراق، وفصائل «جيش القدس» في سوريا، و»الحوثيين» في اليمن»، قبل أن يشدد على أن تحرّك «محور المقاومة» يتطلب قراراً إيرانياً مرتبطاً بتطور مجريات الحرب التي سمّاها نتنياهو «إنتقامية».

 

ووسط توقفه عند «الصمت الإستراتيجي» واعتباره جزءاً من الإستراتيجية العسكرية للمقاومة، لفت إلى أنّ العدوان الإسرائيلي والاجتياح البري لقطاع غزة من شأنهما أن يدفعا محور المقاومة إلى إشعال جبهة إسرائيل الشمالية بواسطة «حزب الله»، الذي أثبت تعامله على القطعة في الردّ على العدوان في جنوب لبنان.

 

ولا يغيب عن قراءة الخبير العسكري والعميد المتقاعد ناجي ملاعب، «تغيير المعادلة في المنطقة بعدما عمدت الفصائل الفلسطينيّة إلى إعادة البندقية الفلسطينية إلى مجدها وإهانة الجيش والقيادة العسكرية الإسرائيلية رغم خذلانها وعزلها من قبل معظم الأنظمة العربية، لتثبت قهر «الجيش الذي قيل أنه لا يقهر»، وتؤكد بذلك القوى غير النظامية أننا أمام مرحلة جديدة لا تتضمن إسرائيل قوية من دون دعم الجيش الأميركي».

 

المؤشرات الأولية

 

وعن تداعيات المعادلة الجديدة على لبنان، أوضح ملاعب أنّ المؤشرات الأولية لا توحي بتعريض الساحة اللبنانية إلى مخاطر، إستناداً إلى 3 معطيات:

 

1 – إعتبار الحضور الأميركي العسكري الكثيف في شرق البحر المتوسط، بمثابة ردع لأي تدخل من محور المقاومة، يحدّ من العمليات الهجومية التي تقوم بها إسرائيل.

 

2 – إشارة الولايات المتحدة إلى عدم وجود أدلة تثبت تورط إيران في عملية «طوفان الأقصى» رغم دعمها فصائل المقاومة. وهذا ما يمكن اعتباره فرصة من قبل الولايات المتحدة لتحييد إيران عن مروحة عملياتها التصعيدية ضدّ حركة «حماس».

 

3 – الحركة الديبلوماسيّة الناشطة على أكثر من صعيد، ومنها الضغوط الغربية التي دفعت بجامعة الدول العربية إلى إدانة الإعتداءات التي يقوم بها طرفا النزاع. وهذا ما يشير إلى توجه جدّي لتبريد الساحة، وتحييد المنطقة المشتعلة في فلسطين عن أيّ تدخل خارجي.

 

العبور والقتال

 

توازياً، أكّد العميد المتقاعد أمين حطيط لـ»نداء الوطن» أنّ «فكرة العبور والقتال داخل فلسطين المحتلة (1948)، هي فكرة معلنة ومتداولة ضمن محور المقاومة وليست جديدة»، وتعود إلى إعلان السيّد حسن نصرالله إمكانية العبور والقتال على أرض الجليل. وكشف أنّ أهمية ما قامت به «حماس» تعود إلى إعتماد عنصر المفاجأة واختيارها تنفيذ العمليات العسكرية في الجزء الجنوبي من فلسطين، أي عبر قطاع غزة بعد أن صبّ الجيش الإسرائيلي اهتمامه على تحصين منطقة الجليل، والبحث عن الأنفاق العسكرية، وتركيب شبكات تجسس ورادارات وجزر إسمنتيّة تحسباً لأي عمل عسكري يقوم به «حزب الله»، بعد أن عمد إلى تبادل الأفكار ودرس الطاقات والإمكانات بين فصائل محور المقاومة.

 

وأشار حطيط إلى أن اعتماد عنصر مفاجأة إسرائيل عبر قطاع غزة، إستلزم وقتاً طويلاً، قبل أن يتوقف منوهاً بالذكاء الذي تحلّى به عناصر «حماس»، وقدرتهم على توزيع المسؤوليات ضمن فكرة «العِلم بقدر الحاجة»، أي تزويد عدد قليل من عناصر المقاومة التعليمات المرتبطة حصراً بعمليتهم «الإستشهاديّة» من دون الحاجة إلى إعلامهم بمجريات عملية «طوفان الأقصى» بشكل كامل.

 

وهذا ما حصر وفق حطيط، جزئيات العمليّة بتكتم شديد بيد قادة المقاومة التي عمدت إلى توزيع المسؤوليات أو المهام على أربعة عناصر يتقنون القيام بالمهام الملقاة عليهم، من دون الحاجة إلى إعلامهم بما يقوم به الآخرون الذين توزعوا بين استخدام المظلات، وتفجير الشريط الشائك، وإطلاق الصواريخ وصولاً إلى تنفيذ عمليات اقتحام المراكز… ليشدد على أنّ الذكاء الإستخباري يكمن في هذا التخطيط الدقيق الذي أدى إلى إنجاح هذه العمليّة المتكاملة.

 

حرب نفسية وتهويل

 

أما عن تبعات هذه العمليّة، فلفت إلى أنّ أمام إسرائيل عدة إحتمالات لم تتضح حتى الآن، مشيراً إلى أنّ الحرب النفسيّة والتهويل باستقدام حاملات طائرات أميركية، (يشدد على أنها ليست للقتال)، لن يؤثرا على قرار فصائل المقاومة، وسط تأكيده أنّ قرار «حزب الله» وإيران مرتبط بمصير المقاومة «مع بارجة أو بدونها». وكشف أنّ «حزب الله» لن يسمح باستفراد وتهديد مصير المقاومة في غزة، إنطلاقاً من إعتباره أنّ ما سيجري على المقاومة في غزة راهناً، سيطاله في لبنان غداً.

 

ووسط ترقب مآل جبهة «جنوب لبنان»، وضع حطيط ما يحصل في إطار «جبهة قيد الترقّب الحذر تحت سقف قواعد إشتباك ثابتة»، مؤكداً «أنّ تغيير قاعدة الإشتباك يستدعي تغييراً في القراءة المرتبطة حكماً بتطور الأحداث على الأرض».

 

ورغم تشديده على أنّ أولوية «حزب الله» ترتبط بحماية محور المقاومة، لفت إلى أنّ أي قرار يتخذه «الحزب» ينطلق من موقف إستراتيجي وعسكري يأخذ في الإعتبار مراجعة جميع العناصر والمكونات المتداخلة قبل أن تعمد قيادته إلى تشكيل القوة الحاسمة لاتخاذ القرار والإختيار بين الحلول الممكنة، وفقاً للملفات المرتبطة بالميدان والسياسة والإقليم.

 

كانتونات في غزة

 

في سياق متصل، رأى العميد المتقاعد هشام جابر أنّ الردّ الإسرائيلي لم يتضح حتى الآن رغم حتمية القيام بهجوم بري. واعتبر أنّ إسرائيل تعمد إلى وضع استراتيجيّة لاقتحام قطاع غزة بعد تقسيمه إلى كانتونات وفصل بعضه عن البعض الآخر واستعادة السيطرة الشاملة على «غلاف غزة».