كالفاتِح يهبط في أرض المطار المُحاط بِصُورٍ من بلاد فارس، كالآمر الناهي يتكلم، كالمُرشد الأعلى يُوزّع الأدوار والمهام، وكالمُنتصر يُفاوض أميركا وإسرائيل بدماء أبناء الخيام وحاروف ومارون الراس وأرنون وعيترون وجدرا والضاحية، في حين لا يتكبّد هو شَعرَةً مِن رأس «جيشه الإيراني» ومِن «حَرَسِ ثَورَتِه» و»فيلق قُدسِه» باستثناء من اغتالته إسرائيل في قلبِ إيران وفي اليمن والعراق وسوريا ولبنان حيث ما زال كلّ الكون ينتظر متى وكيف سيكون الردّ والانتقام!
في كلِّ مرّةٍ يزورُ فيها لبنان، وما أكثرَ زياراتِه، يُتحِفُنا وزير خارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بمواقف من «الوزن الثقيل» أي أَثْقَل من قدرة لبنان وشعبه على التحمّل. وفي آخر «تَشريفَةٍ» له، وكعادته، فقد أدلى عبد اللهيان بِدَلوِه وَوَزَّع الشهادات، إذ قال إنّ «حزب الله والمقاومة في لبنان قاما بكلّ شجاعة بإبقاء دورهما الرادع والمؤثّر بكلّ عقلانيّة وحِكمة». وتابع «لو لم تكن المقاومة موجودة في لبنان لما بقي لبنان»، هكذا حرفيّاً.
ثلاثة إحتمالات متداولة الآن عن اليوم الثاني بعد انتهاء حرب غزّة التي يتّفق معظم المراقبين أنّها قد تكون الأخيرة في سلسلة الحروب العربيّة، الفلسطينيّة، الإسلاميّة – الإسرائيليّة لأنّ كلّ القوى استنزفت ما لديها على مدى ما يقارب المئة سنة لبدء هذا النزاع:
ا- فإمّا أنْ تُمحى إسرائيل من الوجود.
٢- وإمّا أنْ يُهَجَّر الشعبُ الفلسطيني من إسرائيل والضفّة والقطاع إلى أصقاع الأرض وتنتهي المسألة الفلسطينيّة.
٣- وإمّا أنْ تُنشأ دولة فلسطينيّة كاملة الأوصاف بجانب إسرائيل، وتُرَسَّم الحدود بين الدول المتجاورة، ومِن ضمنها لبنان فَيُسْتَكْمَل التطبيع وتَخطو المنطقة نحو السلام المُسْتَدَام، وهذا الاحتمال هو المرجّح.
وعليه، هل يبقى في ظلّ هذه الاحتمالات الثلاثة من داعٍ «للمقاومة» وسلاح «المقاومة» ومحور «المقاومة»؟
الثلاثيّة، التي وصفها يوماً الرئيس ميشال سليمان بالخشبيّة أي ثلاثيّة «الجيش والشعب والمقاومة» والتي فَرَضَها «حزب الله» على الحكومات المتتالية، حتى هذه الثلاثيّة حوّلها «حزب الله» بِفِعلِ فائضِ القوّة إلى أحاديّة، بحيث أصبحت «مقاومة ومقاومة ومقاومة»، لأنّ «الحزب» لم يستشِر الجيش مرّةً، ولم يَستَفتِ الشعبَ على موقِفِه من سلاحِه، وأصلاً لم يَسأل عن الشعب يَوماً بعد أنْ صَرَّحَ سابقاً أمين عام «حزب الله» ومن بعده جميع قيادات «الحزب»، «أنّ المقاومة لا تَسأل عن الإِجماع»، بمعنى أنها لا تهتم لرأي الشعب.
فبعد انتهاء حرب غزّة، هَل سَيَتَوقّف «محور الممانعة»، مِن إيران وصولاً إلى «حزب الله»، عن المكابرة والاستكبار وعن تكرار ذات الأدبيّات التي استعملها خلال ما يقارب الخمسين سنة من إدّعاء النِيَّة والقدرة على «تحرير القدس» و»إزالة إسرائيل من الوجود» و»تدمير «الشيطان الأكبر»، أمريكا؟»
إذا كان هناك مَنْ لا يزال يُصَدِّق هذه الأوهام فهذه مُعضلته، إلّا أنّ الأغلبية الساحقة من اللبنانيّين ومِن كلّ الطوائف، مَجَّت هذه السرديّة الوهميّة التي لم تَعُد تنطلي على أحد. إيران لا تريد أن تُحارِب إسرائيل، وهذا ما أعلنته مراراً وتكراراً بِلِسان «مُرشدها الأعلى» وَبِلِسان قادة جيشها و»حرسها الثوري» والبارحة أعلنتها من بيروت بِلِسان رأس دبلوماسيّتها. لكن بَدَلاً من محاربة إسرائيل، فقد قرّرت إيران السَطو على وطن الأرز تحت شعار جديد، أنّ السلاح باقٍ طالما إسرائيل موجودة. (تصريح الشيخ نعيم قاسم يوم السبت الفائت).
من بيروت تخطى عبد اللهيان كل السقوف، كاشفاً المكشوف، فاضحاً المفضوح، لأنّ «شلش الدبلوماسيّة» قد طَقَّ عنده. فهو أعلن من دون حياءٍ ودون مواربة أنّ «أمْنَ لبنان مِن أمْنِ إيران».
لو يزور صخور نهر الكلب فيرى البَابليّ والأشوريّ والفرعونيّ والفارسيّ والرومانيّ والبيزنطيّ والمملوكيّ والعثمانيّ والفرنسيّ والفلسطينيّ والإسرائيليّ والسوريّ وغيرهم، كيف خرجوا مطأطئي الرأس، وسيفهم حِينَها أنّ الفارسيّ الجديد ليس أعتى من القديم. عبد اللهيان عبد اللهيان، إرفع يدك عن لبنان، وعُد إلى طهران، فأرضنا أرض الربّ منذ أن كان الزمان وكان المكان، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»