IMLebanon

ربط الساحات عسكرياً وسياسياً: الحزب يضغط لفكّ التصلّب الإسرائيلي!

 

 

إجماع في الكابينيت على حرب لبنانية وانقسام على مآل القطاع

 

 

تتّخذ حرب الاستنزاف القائمة جنوبا طابعا دراماتيكيا متدحرجا لا ينسجم ومحاولات التبريد الأميركية – الدولية الجارية في غزة، ولا يتواءم والضغط الذي تمارسه الإدارة في واشنطن على الحكومة الإسرائيلية بغية صرفها عن أي عملية حربية واسعة في لبنان قد تلبس لبوس الاجتياح البري.

تزامن هذا التطور مع ترنّح مفاوضات الهدنة في القطاع. وكان المُعوّل أن يدخل ما بات يُعرف بتفاهم رمضان حيّز التنفيذ في العشر الأول من آذار، غير أن الرئيس الأميركي جو بايدن استبعد تحقيق هذا الأمر في التوقيت المفترض من غير أن ينعيه، معلنا أن «وقف النار في غزة لن يتم على الأرجح بحلول الاثنين المقبل»، لكنه يظل «متفائلا».

 

ولم يعد خافيا أن لبنان يعوّل على هدنة غزة من أجل توظيفها هدنةً مماثلة في الجنوب تبعد عنه شبح الحرب التي تهدد بها إسرائيل.

واقع الحال أن حرب الاستنزاف في الجنوب لا تزال ضمن الضوابط التي ارتضاها طرفاها، حزب الله وإسرائيل، حتى لو تعدّت قواعد الاشتباك التي أفرزتها حرب تموز 2006 وتوطّدت طوال 18 عاما إلى حين الثامن من تشرين الأول 2023.

ولئن لا تفوّت إسرائيل فرصة من أجل تكوين ملف الحرب الشاملة ومراكمة الذرائع التي يمكن أن تستخدمها أمام المجتمع الدولي من أجل تبرير أي اجتياح، لا يزال حزب الله يزين تدخّله العسكري على وقع النصيحة الإيرانية بعدم تقديم أي ذريعة تتحجّج بها الحكومة الإسرائيلية لكي تذهب الى عملية حربية واسعة تقود إلى حرب أميركية، الأمر الذي لا تنفكّ واشنطن من التحذير منه.

 

لا ريب أن ضبط النفس الذي يلتزم الحزب قواعده بدقّة وإتقان، بلغ مدى متقدما، بدليل أن ردّ فعله على استهداف عقر داره في بعلبك بقي من ضمن المسار المقرَّر، على الرغم من درجة الاستفزاز التي بلغتها تل أبيب في سياق المسلك الحربي الذي تريده وتتّخذه بلا كوابح.

الواضح أن كلَّا من الحزب وتل أبيب يسعيان إلى إرساء قواعد اشتباك مُطوَّرة تلاقي الهدنة المُعوّل عليها في غزّة في العشر الأول من آذار، أو قبل بدء شهر رمضان حدّا أقصى.

1-تل أبيب تستهدف العمق اللبناني، وتنتقي أهدافا ذات وقع وأذى كبير على الحزب، كما فعلت في بعلبك التي تعني ما تعني للحزب كمنطلق لولادة حراكه المقاومتيّ بداية الثمانينات، وكقاعدة دفاعية خلفية للظهير الجنوبي، وتواصل في الوقت عينه استهدافها الأمني للكوادر في سياق حرب التصفيات التي اعتمدتها منذ بدء الميني حرب في الجنوب.

2-حزب الله يستعرض بتقطير قدراته العسكرية في سياق استراتيجية الردع التي يعتمدها منذ انتهاء حرب صيف 2006، وكان آخرها كشفه بعض ما يملك في منظومة الدفاع الجوّي، إلى جانب السلاح المضاد للدروع. ولا يفوته كذلك استخدام العامل الفلسطيني. إذ لم تكن صدفة إيقاظ الحزب، بعد سُبات طويل، كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وتفعيل هذا العامل في المعادلة الجنوبية بغية الإفادة السياسية والميدانية في المرحلة المقبلة كجزء من استراتيجية الردع.

بمعنى آخر، في استطاعة الحزب توظيف هذا العامل للضغط على إسرائيل من أجل تكريس ربط الساحات، تسخينا أو تبريدا، بحيث تجد نفسها ملزمة بأن تشمل أي هدنة في غزة الجبهة الجنوبية.

وليس خافيا أن تل أبيب ترفض جعل التهدئة في غزة ملزمة لها في الجنوب. وهو ما أعلنه وزير الدفاع يوآف غالانت بقوله إن إسرائيل ستكثّف قصف حزب الله حتى لو تم التوصل إلى هدنة مع حماس في غزة، لافتا إلى أن الضربات ستستمر حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية المرجوة وهي تراجع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني وانسحاب فرقة الرضوان وتأمين الشمال الإسرائيلي.

وثمة من المعطيات ما صار يفرض أخذ التحذيرات الغربية التي تتوارد إلى بيروت على محمل الجد. ومن تلك المعطيات أن هناك إجماعا في حكومة الطوارئ الإسرائيلية على ضرورة توجيه ضربة إلى لبنان، لا إلى الحزب وبناه التحتية فحسب، باعتبار أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن أراضيها التي تُستخدم منطلقاً للهجمات ضد الشمال الإسرائيلي.

وتُسجّل في هذا السياق مفارقة تتمثّل في أن هذا الإجماع الإسرائيلي ضد لبنان مفقود حيال التعاطي مع غزّة وأحوالها واليوم التالي، مما يُفسّر المد والجزر الذي تشهده المفاوضات العربية – الدولية من أجل فرض وقف لإطلاق النار في القطاع.