هل يؤشر الكلام الإيراني على حتمية الرد باقتراب موعد الانفجار؟
كل شيء في المناطق الحدودية التي أضحت أشبه بخطوط تماس، توازياً مع ارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية على نحو غير مسبوق بين «حزب الله» وإسرائيل يؤشر إلى أن الوضع الميداني ذاهب إلى تفجير واسع، إذا قررت إيران التدخل في الحرب، لتخفيف الصغط عن حركة «حماس»، في وقت تحولت القرى والبلدات اللبنانية على طول الحدود مع إسرائيل إلى مناطق عسكرية، بعدما نزح عنها أهلها، في أعقاب اشتداد وتيرة القصف الصاروخي، على نحو ينذر باقتراب المواجهة الشاملة، في وقت تزداد تحذيرات القوات الدولية العاملة في الجنوب، من إمكانية خروج الوضع عن السيطرة في أي وقت، سيما وأن عناصرها خففت كثيراً من تنقلاتها على طول الخط الأزرق، ملتزمة مراكزها، لا بل أنها منعت عدداً من سكان القرى في القطاع الغربي من الاحتماء داخلها، لأنها تستشعر الكثير من المخاطر.
ورغم تسارع الحركة الدبلوماسية في المنطقة، إلا أنه لا يؤمل وفقاً لقراءة أوساط دبلوماسية، كما تقول لـ«اللواء»، أن «تساهم هذه الحركة في وقف الإجرام الإسرائيلي الذي بلغ ذروته بالمجزرة المروعة في مستشفى المعمداني في غزة، بقدر ما ساهم الدعم الأميركي والأوروبي غير المسبوق لإسرائيل، في توفير الضوء الأخضر لجيشها في الاستمرار في حربه على القطاع، وتشجيعه على القيام بالاجتياح البري الذي يجري التحضير له»، مشيرة إلى أن «زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، غايتها تشجيع إسرائيل أكثر في التمادي بجرائمها ضد الفلسطينيين، بدليل أن بايدن برّأها من مذبحة مستشفى المعمداني، باتهامه أطرافاً فلسطينية بالوقوف وراءها. وهذا سيقود إسرائيل بالتأكيد إلى الاستمرار في عدوانها على الغزيين، ما يستوجب موقفاً عربياً وإسلامياً حازماً ضد إسرائيل وأميركا والغرب».
وفي وقت كثف لبنان اتصالاته العربية والدولية، سعياً من أجل تحييده عن حرب غزة، فإن زيارات المسؤولين الأجانب وآخرهم وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، ركزت على تجنيب لبنان أي تداعيات محتملة لهذه الحرب. وهو الأمر نفسه الذي شددت عليه وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في لقاءاتها مع المسؤولين . وقد ظهر بوضوح أن معظم الدبلوماسيين الأجانب الذين زاروا بيروت، ركزوا على أمر واحد وأساسي، وهو الطلب إلى «حزب الله» عدم التدخل في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، دون أن يتحدثوا عن ضرورة وقف إطلاق النار، للتخفيف من معاناة الغزيين، والبحث في فتح معبر رفح، لأن الاستمرار في إقفاله، بمثابة حكم إعدام على ما تبقى من سكان القطاع. ولا يبدو أن «الحزب» في وارد الاستجابة لهذه الدعوات التي تساوي بين الضحية والجلاد، وإنما ينتظر وفق القراءات المتعددة القرار الإيراني في هذا الشأن، تبعاً لظروف الحرب الميدانية في غزة. وإن كان هناك من يعتقد أن مجزرة مستشفى المعمداني، ستسرع في القرار الإيراني بدخول الحرب، رغم التحذيرات الأميركية، في مقابل من يري خلاف ذلك .
وفي حين واصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي التركيز في لقاءاته الدبلوماسية، وفي اتصالاته العربية والدولية، على سبل حماية لبنان وإبعاده عن حريق غزة ومنع التصعيد في المنطقة، توازياً مع جهود وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب مع عدد من سفراء الدول المشاركة في قوات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان ( اليونيفيل)، حيث طلب من جميع السفراء المساعدة لتهدئة الاوضاع على الحدود الجنوبية، استرعى المراقبين الموقف الذي صدر عن السفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني الذي كتب على منصة «إكس»، «حذرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر وزير خارجيتها من عدم وقف القتل والدمار في غزة. خذوا هذه التحذيرات على محمل الجد. قد يتصرف الآخرون دون سابق إنذار.» وهذا ما أثار قلقاً من إمكانية أن تكون بلاده قد اتخذت قرارها من خلال «الحزب» بالدخول في الحرب، لدعم «حماس». وهذا من شأنه أن يفتح أبواب المواجهة على مصراعيها، ليس في لبنان وغزة، وإنما على صعيد المنطقة برمتها. فهل تكون الحرب الإسرائيلية على غزة، بمثابة برميل البارود الذي سيفجر الشرق الأوسط برمته؟.
ولم تستبعد مصادر معارضة أن «تستخدم إيران لبنان مجدداً ساحة لتصفية حساباتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، بعدما تحدث المرشد الإيراني عن ضرورة الرد على إسرائيل. وهذا ما يزيد المخاوف على جبهة الجنوب التي أوشكت فيها الأمور على الخروج عن السيطرة، سيما وأن المقربين من «الحزب» يسربون بأن ساعة الحسم أصبحت قريبة، في حال اتسعت رقعة الحرب في غزة. وما الكلام الإيراني المتزايد عن حتمية الرد على إسرائيل، إذا لم توقف جرائمها ضد الفلسطينيين، إلا مؤشراً على أن الوضع الميداني مرشح لمزيد من التدهور على مختلف الأصعدة في أي وقت. وهذا جلي في التطور النوعي في عمليات «الحزب» ضد الإسرائيليين، سواء في تكثيف هجماته، أو من خلال الأسلحة التي بدأ باستخدامها في المعركة، ما يؤشر إلى أن الأمور اقتربت من المواجهة الكبرى، وعلى مختلف الجبهات. بدليل أن البلدات الحدودية قد فرغت من سكانها بنسبة كبيرة، في حين أن إسرائيل أجلت بشكل واسع سكان مستوطناتها الشمالية، استعداداً لأي حرب محتملة مع «حزب الله»
وبالنظر إلى مخاطر خروج الوضع عن السيطرة في الجنوب، فقد عادت قوى المعارضة للتحذير مما سمته «محاولات حزب الله زج لبنان في الحرب»، مجددة رفضها «إدخال لبنان في مغامرات لا مصلحة لنا بها بل دفعنا ثمناً باهظاً في السابق بسببها»، باعتبار أنها تخشى في ظل الدعم الدولي غير المسبوق لإسرائيل، أن تتذرع الأخيرة بأي هجوم قد يشنه «حزب الله» ضدها، للقيام بحرب تدميرية واسعة ضد لبنان، تفوق بنتائجها وفظائعها، ما حل باللبنانيين بعد عدوان تموز في الـ2006. ولم يقتصر أمر النزوح على سكان المناطق الحدودية، بل تعداه إلى عدد من سكان الضاحية الجنوبية الذين قاموا باستئجار منازل في الشوف والجبل وصولاً إلى الشمال وبأسعار مرتفعة، خشية اندلاع الحرب في أي وقت، توازياً مع تحذيرات عدد من الدول العربية والغربية لرعاياها بمغادرة لبنان، أو على الأقل عدم التوجه إليه .