تستمر المقاومة الإسلامية في جبهة جنوب لبنان بالتصعيد في ميدان المعركة بعملياتها النوعية، ويستمر التصعيد الإسرائيلي بـ “التصريحات” التي تتكرر منذ أكثر من ستة أشهر خاصة من قِبل وزير الحرب يوآف غالانت الذي يُردد عبارات التهديد بقوله إن “إسرائيل” تُجهِّز نفسها وتستعد لتوسعة الحرب مع لبنان بضرب عمقه، لكن حتى اللحظة ومع التهديد، بقيَ الأداء الإسرائيلي بالمسار، حتى بتصعيده أحياناً لم يخرج عن الحد الذي بات معتاداً اياه طوال أشهر الحرب…
يدرك مسؤولو الكيان أن اللعب مع حزب الله حساس جداً، بحيث ان رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق غيورا آيلاند حذر من أن حزب الله هو التهديد الأساسي والمباشر والأكبر على الكيان. لقد رأى الصهاينة إطلاق مئات الصواريخ التي اختَرقت المنظومات الدفاعية داخل كيان الاحتلال، فعندما يُطلِق حزب الله ٣٠٠٠ صاروخاً في اليوم الواحد!!… كيف يمكن لهذه المنظومات أن تتعامل مع هذا التهديد؟؟ لذا فإن التعامل مع المقاومة له حساباته الخاصة، فهل يخطىء الإسرائيلي بالحساب ويذهب بهذا الاتجاه رغم إدراكه أن توسيع المواجهة مع لبنان ستكون مكلفة بشكل غير مسبوق له؟؟…
في كل خطوة يقوم بها الإسرائيلي تؤكد المقاومة جهوزيتها لأي مستوى من الحرب معها، حتى بمحاولات التسلل التي يقوم بها والتي يُخفي فيها حجم خسائره، يقول الخبراء إن المقاومة تؤكد دائماً أنها بحالة استنفار وجهوزية حتى المتر الأخير للحدود، وتؤكد للإسرائيلي أيضاً أن الدخول للأراضي اللبنانية سيكون مكلفاً جداً وسيجعل فاتورة الخسائر البشرية الإسرائيلية عالية جداً، فهذه من الدروس التي ستجعل الجانب الإسرائيلي حذراً جداً، خصوصاً أن الدخول والتوغل والتسلل داخل الأراضي اللبنانية قد يُعطي المقاومة مبرِّراً لأن تقوم بعمليات بالمثل، فالمقاومة حتى الآن لا تتجاوز الحدود، لكن عندما يذهب الاحتلال بهذا الاتجاه قد يكون هناك مشروعية لأن تقوم المقاومة بعمليات مماثلة، هنا تصبح الحسابات أكثر تعقيداً والخسائر أكبر للاحتلال إذا تم أخذ هذه المسألة بعين الإعتبار…
وما يُعقِّد الأمور أكثر على الصهاينة، قضية المستوطنين التي هي حقيقةً “التحدي الأكبر”.. بحيث يَنزح حوالى ٧٠٠٠٠ مستوطن وهناك من يقول إن العدد يصل الى ما يفوق ١٠٠٠٠٠ مستوطن، فـبقاؤهم نازحين وتَحوُّل مستوطنات الشمال الى أشبه بمدن أشباح له تداعيات خطرة على الكيان:
١- يُعتبر المشهد على المستوى العام سيئاً جداً ويُظهِر أن “إسرائيل” فقدت الردع كلياً…
٢- يقول المستوطنون الذين تضرّرت أو تدمّرت مصالحهم إن “إسرائيل” فقدت الشمال…
٣- جزء كبير من المستوطنين أي حوالى 40% يقولون أنهم لن يعودوا الى المستوطنات، وهذه تُعتبر خسارة بالمعنى الاستراتيجي…
٤- يقول البعض للقيادة الصهيونية: أنتم فقدتم هذه المستوطنات التي كانت تُعتبر خط دفاع أول، بحيث أن في أساس الاستيطان أي عندما أنشئت هذه المستوطنات الحدودية كانت هي عبارة عن محميات عسكرية من أجل الدفاع عن الحدود.
٥- يقول أحد المعلِّقين على هذا المشهد: هذه ضربة لأصل المشروع الإستيطاني الصهيوني في البقاء على أرض فلسطين…
حصل نقاش كبير بهذه المسألة، كانت الخلاصة أن لا خيار عسكري في الشمال لأنه خيار مُدمِّر ولن يُغيِّر شيئاً ولن يحل المشكلة.. فحزب الله سيبقى ولن تستطيع “إسرائيل” القضاء عليه.. وهم جرّبوا في حرب الـ ٢٠٠٦ عندما رفع إيهود أولمرت الكثير من الشعارات وعجز عن تحقيقها، فالمسألة مرتبطة بالتكلفة التي سيدفعها الإحتلال، وبالتالي فإن الخيار والمسار الوحيد هو باتجاه التسوية من وجهة نظرهم، فهُم فعلاً يراهنون على زيارات هوكشتين الى لبنان والتي يُقدّم خلالها إقتراحات لعلّه يتمكن من الوصول الى صيغة معينة تُعيد المستوطنين الى الشمال وهذا هو الخيار المُتاح الوحيد بالنسبة لهم، فالجبهة في الشمال ستبقى على هذا المستوى والحل الوحيد هو بإيقاف الحرب في غزة، وهم يُدركون ذلك جيداً وكل الحديث عن خيارات أخرى لن تكون سوى تصريحات فقط…
على ما يبدو أن مسألة المغامرة على الحدود الشمالية وتوسيع الجبهة، مسألة مستبعَدة، وفقاً لمسار الأشهر السابقة، بحيث القراءة الإسرائيلية تؤكد على أن الاحتلال يدرك أن مسألة التهديد بالتصعيد على الحدود الشمالية لا يمكن الاستخفاف بها ولا يمكن التعامل معها على أنها مسألة عادية قد يُقدِم عليها الاحتلال، فالمواجهة في الشمال ليست كأي مواجهة أخرى بالمعنى الحرفي، فهُم دائماً يكررون أن حزب الله يمتلك ١٥٠٠٠٠ صاروخ وقادر على ضرب العمق الصهيوني بأسلحة مدمِّرة ودقيقة، بحيث ان الشمال سيتعرّض لدمار والعمق الإسرائيلي سيتعرّض لاستهداف كبير.. مشهد يراه الإسرائيلي على ما يبدو جيداً، مما يُحتِّم عليه إعادة حساباته باستمرار والتردد كثيراً بالذهاب نحو مواجهة مع حزب الله…