ثمّة فرضية باتت مرتبطة بتطورات جبهة الجنوب. ففي وقت أصبحت المواجهة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي المؤقت قاب قوسين أو أدنى تجنح نحو تجاوز قواعد الاشتباك، وإن كان الطرفان يحاولان ضبطها بعشرة كيلومترات على طرفي الحدود. ومع ذلك، ما زالت المقاومة تعمل لإبقاء هذه المواجهة في إطارها الإسنادي، ولمنع توسّع الحرب في لبنان. ترى مصادر مطّلعة أنه لأجل ذلك، لا يرضخ حزب الله للتهديدات الإسرائيلية التي يطلقها المسؤولون، على اختلاف مواقعهم العسكرية والسياسية، ولا للرسائل التي يحملها الموفدون الدوليون إلى العاصمة بيروت نقلاً عن الإسرائيلي؛ بل يسعى في كل مرحلة لإظهار بعض ما يملكه من إمكانيات ردع للعدو، من خلال التحول في العمليات واختيار الأهداف وتوقيتها في استهدافات مركّبة، أرهقت العدو ووضعته في وضع لا يحسد عليه إذا ما قسنا خسائره في الأسبوعين الأخيرين نتيجة هذه العمليات، والتي عكس التكتم عليها من قبل العدو، الهستيريا التي تلتها في الاعتداءات على المناطق والبلدات الجنوبية.
من هنا يدرك الكيان الإسرائيلي بأن الحرب الواسعة مع لبنان لن تكون نزهة ولن تشبه كل الحروب التي خيضت من قبل. منذ اليوم الأول للحرب في الجنوب، تسعى «إسرائيل» لاستفزاز الحزب من أجل توسيع الحرب، أو إظهار ما لديه ضمن ترسانته العسكرية الضخمة، ولكن حزب الله لم يقدم لـ «إسرائيل» ما تطمح إليه، بل كان يعمل وفق تقديراته الخاصة التي تخدم معركته. فالتصعيد الأول للحزب كان يوم قُصفت الضاحية، فكان الرد نوعياً لجهة المكان، أي قاعدة ميرون، ولناحية نوع السلاح المستخدم وهو الكورنيت المحدث والذي يصل مداه الى 10 كيلومترات، فأظهر الحزب أن بحوزته صواريخ موجهة تسير أفقياً لا يمكن التصدي لها من قبل القبة الحديدية، وكان لهذه المفاجأة وقعها على الإسرائيليين الذين باتوا يطالبون بتراجع قوات حزب الله عن الحدود 10 كيلومترات.
إذن، بعد التصعيد الإسرائيلي كشفت المقاومة عن صواريخ «ألماس»، وهي النسخة الإيرانية عن صاروخ إسرائيلي ظفرت به المقاومة إبان عدوان عام 2006، يحمل على رأسه كاميرا، ويمكن تسييره عن بُعد حيث يتمكّن هذا الصاروخ من إصابة الأهداف غير المرئيّة. ومعه لم تعد الدشم الترابية والخرسانية تنفع في حماية الدبابات والغرف والتجمعات، ومن ثم كان الجديد بأن الحزب يمتلك على الأرجح ثلاث فئات من عائلة هذا الصاروخ، تختلف من حيث الحجم والمدى والرأس المتفجر، وقد استخدم الحزب مؤخراً النوع الجديد منها.
ترى المصادر أن تمادي العدو الإسرائيلي في الجنوب كان لا بد من مواجهته بكشف الستار ولو بنسبة صغيرة عن مفاجآت جديدة تتعلق بالسلاح الجوّي الإسرائيلي، حيث كشف الحزب عن صواريخ أرض جو يتم إطلاقها عن الكتف، وتم إنزال مسيّرات من النوع الضخم والمتطور، هرمز 450 وهرمز 900 وغيرها، وهذه المفاجأة كانت الأصعب على الجيش الاسرائيلي الذي يتحدث عن إسقاط التفوّق الجوي، خاصة في ظل معلومات تؤكد أن هذا النوع من الدفاع الجوي يعتبر بسيطاً مقارنة مع ما لدى الحزب. وتُشير التقديرات إلى أنه يمتلك أنواع عديدة من الأسلحة في ترسانته للدفاع الجوي يتخطى عددها العشرة، وبمدى مختلف لكل نوع، وهذا الأمر يسبب قلقاً للإسرائيليين.
وبالتالي فإن ما تقوم به المقاومة في جبهة اسنادها للشعب والمقاومة الفلسطينية، والرد على تمادي الاحتلال قصفا ودمارا واغتيالات عبر المسيّرات المسلحة، وضع الاحتلال في حال حرج، أكان لجهة جبهته الداخلية ولا سيما أن العديد من الجنرالات السابقين بدأوا يتحدثون عن هزيمة أمام حزب الله، مستندين في ذلك على عدم قدرة الجيش في حماية مستوطنات الشمال؛ أو لجهة الانقسام العامودي بين أعضاء كابينت الحرب حول مؤيد لتوسيع الحرب ورافض لها، ما يؤكد أن الاحتلال، إزاء ما تقوم به المقاومة، لا يحتمل سوى أمرين: «الأول، إما بلع السم القاتل يوميا جراء عمليات المقاومة والإقرار بالعجز. والثاني، اتخاذ كيان الاحتلال القرار بساعة الصفر لتوسيع هجماته على لبنان بهدف استيلاد تسوية جديدة أو تعديل للقرار 1701». وفي كلا الحالين، فإن أية مغامرة قد ترتد على طابخ السم ليصبح آكله.