Site icon IMLebanon

ماكينة اليرزة تستفيق على «هزيمة» الحزب! باريس وواشنطن تنسّقان الورقة الفرنسية مع «القائد»

 

 

مع فشلِ الإسرائيليِّ في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب على غزة، ستلجأ الماكينة الإعلامية الإسرائيلية – الأميركية، في الوقت القتالي الضائع، إلى تسخيف صمود المقاومة للتستر على فشل العدو في تحقيق أهدافه، وإحلال الشعارات محل المنطق والغرائز محل العقل والأوهام محل الأرقام، لإقناع الرأي العام بأن عدد المهجّرين والمباني المدمّرة هو ما يحدد المنتصر. وهذا يشبه ما شهدناه غداة عدوان تموز 2006 من محاولات لإقناع الرأي العام بأن حزب الله خسر الحرب، فيما يمكن لكل ذي عينين أن يرى أين هو الحزب اليوم، عسكرياً وأمنياً وسياسياً ودبلوماسياً وجغرافياً، وأين هم خصومه.ولا شك في أن المصيبة الإسرائيلية – الأميركية كانت لتكون محدودة لو كان الفشل الإسرائيلي اليوم بحجم فشل 2006، لولا أن الوقائع تؤكد أن عملية 7 أكتوبر أكبر بما لا يقاس من عملية 12 تموز، وأن العدوان الإسرائيلي على غزة أضخم بما لا يقاس من عدوان 2006، وبالتالي فإن الصمود الحمساوي والانتصار الفلسطيني وتداعياتهما أكبر بما لا يقاس.

قد يكون محور الممانعة خسر بعضاً من مظاهر وجود حركة حماس فوق الأرض في بعض أحياء غزة، وربما كان لديه، في 6 أكتوبر، سجن كبير نصف مدمّر في غزة فيما السجن مدمّر بالكامل اليوم. لكنّ المحور نجح في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد طول نسيان، وسحل هيبة الجيش الإسرائيلي في غزة وشمال فلسطين المحتلة عند الحدود مع لبنان، حيث ثُبّتت معادلة جديدة عنوانها التهجير مقابل التهجير والتدمير مقابل التدمير، وأنهى عقدين من التحريض السني – الشيعي، وأسقط سردية المظلومية الإسرائيلية في جامعات العالم، وأدخل اليمن على خط اللاعبين الإقليميين، وسجّل ضرب إيران لإسرائيل مباشرة بدل الرد على قصف القنصلية بقصف قنصلية، وأظهر إسرائيل بمظهر المحتاج إلى حماية عسكرية مباشرة أميركية ودولية. وفي مقابل ذلك كله، قدّم نفسه كمحور متّزن يزن خطواته بميزان الذهب ويحرص على أمن المنطقة واستقرارها شرط أن تبقى إسرائيل مردوعة.

ستحاول الماكينة الإسرائيلية – الأميركية، مسنودة من بعض الخليج، تغليب الشكل (دمار وتهجير) على المضمون (فشل الأهداف المعلنة للحرب)، لكن لن يغيّر ذلك شيئاً في النتائج النهائية: بعد طوفان الأقصى، إسرائيل أضعف ومحور المقاومة أقوى. وهو ما يقود النقاشات الداخلية ويحكمها، ليس من جهة حزب الله الذي يؤجّل كل النقاشات إلى ما بعد وقف إطلاق النار، وإنما من جهة خصومه الذين يبحثون اليوم، بالمفرّق، عما يمكن فعله للحؤول دون صرف التوازنات الإقليمية في الداخل اللبناني.

وإذا كانت مصادر «الخماسية» تتحدّث عن نهاية الشهر الجاري كموعد أولي لتجدد الضغوط الدولية على الرئيس نبيه بري لتزكية مرشح آخر غير رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مع اقتراب ذكرى مرور عام على آخر دعوة وجّهها بري إلى جلسة لانتخاب رئيس، استفاقت ماكينة قائد الجيش العماد جوزف عون في الأيام القليلة الماضية من سبات الشهرين الماضيين. وحتى السابع من أكتوبر الماضي كان «فريق القائد» يتصرف على أساس حاجته إلى كل من الأميركيين وحزب الله للوصول إلى بعبدا، أما بعد «الطوفان» وتفعيل الحزب للتواصل الدائم مع الأجهزة الأمنية، فقد افترض القائد أن الأدوار تبدّلت، وأن الحزب لم يعد ضرورة بالنسبة إليه بمقدار ما بات هو ضرورة له، إذ يظهر بوضوح، من التنسيق بين قائد الجيش وكل من الفرنسيين والأميركيين لصياغة ما يُسمى «الورقة الفرنسية»، أن «فريق القائد» يتصرف على أساس أن الحزب مهزوم وأنه يقدّم حبل النجاة له. ويبدو مؤكداً أن من ينفخ الفراغات في رؤوس «جماعة القائد» يقوم بواجباته كاملة أيضاً مع الرئيس نجيب ميقاتي، لإقناعه بالانتقال من ضفة فرنجية إلى ضفة عون لضمان الرضى الفرنسيّ – السعوديّ.

بالتالي فإن حركة قائد الجيش معطوفة على «تكويعة» ميقاتي بإشارة خارجية، وحركة السفير السعودي باتجاه معراب معطوفة على تفاؤل مصادر القوات بعودة قريبة للمال السعوديّ، واتصالات مستشار الرئيس الأميركي عاموس هوكشتين معطوفة على إفساحه المجال لتقويله ما يريدونه، ومطالبة الصرح البطريركي بتسريع إنتاج «الوثيقة» المنتظرة معطوفاً على ما تتضمّنه من هجوم على حزب الله… كلها تشير إلى تزامن التقدّم في مفاوضات وقف إطلاق النار في المنطقة مع استنفار أميركي – سعودي لـ«يتغدّوا» بالحزب قبل أن «يتعشّاهم» تحت عنوان قديم – جديد هو جوزف عون رئيساً، إذ لا يملك الفريق المناوئ للحزب أمراً أو شخصاً آخر يُعوّل عليه لانتزاع مكسب سياسي ما أو فرملة اندفاعة الحزب أو الجلوس أقله على طاولة تفاوض جدية. وهو ما يتناقض في الشكل والمضمون مع مسارين أساسيين كان يفترض أنهما يهيّئان للمرحلة اللاحقة: مسار هوكشتين – بري ومسار المسعى القطري. الأول يهدد بإنهاء دور الوسطاء في الداخل والخارج واللاعبين الإقليميين والفرنسيين، والثاني يعطي الحزب في السلم (السياسي) ما يعجز عن أخذه في الحرب (السياسية)، ويعيد لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كل ما سعى خصومه وحلفاؤه لأخذه منه في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يفسر ربما استنفار باريس – معراب – البخاري – عون، في هذا التوقيت بالذات، لإيجاد مسار ثالث، من دون أن يلتفت هؤلاء إلى موازين القوى الحقيقية، وإلى أن ما لم يكن وارداً قبل السابع من أكتوبر هو أبعد من المستحيل بكثير اليوم، وأن كل يوم منذ السابع من أكتوبر، في حسابات حزب الله السياسية، أفضل من سابقه، وهو ما يفسر ربما إغلاق الحزب كل قنوات المفاوضات في انتظار وقف إطلاق النار في المنطقة ليُبنى على الشيء في حينه مقتضاه بحكم التغيّر المتواصل في موازين القوى.

ما لم يكن وارداً لدى حزب الله قبل السابع من أكتوبر هو أبعد من المستحيل اليوم

 

مع ذلك فإن استنفار خصوم حزب الله وأعدائه يفرض حداً أدنى من الحراك والتواصل من جهة الحزب، إذ لا يمكن أن تبقى كتلة الاعتدال «لا معلقة ولا مطلقة» كما هي اليوم، فيما لم يتحوّل التقاطع مع بعض النواب في الموقف من الحرب في غزة و«الإسناد» إلى تقاطع سياسي أوسع، كما يستمر تجميد العلاقة مع رئيس التيار الوطني الحر عند البند المتعلق بسليمان فرنجية تحت عنوان «كل شيء» أو «لا شيء»، فيما أظهر حجم المشاركة ونوعيتها في استقبالات الجماعة الإسلامية في طرابلس (وليس في بنين) والمقاطعة السنية لمعراب في احتفاليتها الأخيرة أن أبواب الاستقطاب مفتوحة لكن لا نية لذلك الآن. وهذا ما يقود إلى القول إنه في موازاة الديناميكية التي يظهرها الحزب على المستويات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والإعلامية، ثمة انكفاء سياسي واضح لا تعوّضه أو تخفّف من غرابته الإشارة الواضحة لوزراء الحزب السابقين وبعض قيادييه باستئناف المقابلات التلفزيونية التي انقطعوا عنها منذ سنوات.

اجتهاد الماكينة الإسرائيلية – الأميركية لتوهين الانتصار الذي حقّقته المقاومة في فلسطين والعالم لن يغيّر في الوقائع على الأرض، ورغم قول الحزب إنه لم ولن يصرف قوته في الإقليم في الداخل اللبناني، فإن التدقيق في تطور حجمه ودوره ونفوذه في العقدين الماضيين يؤكد أن خصومه في الداخل لا يتركون مجالاً لذلك. فإصرارهم على عدم فك الارتباط مع الفريق المهزوم يضعهم في خانة المهزومين شاء الحزب ذلك أم أبى؛ فهم من تبنّوا السردية الإسرائيلية عام 2006 وأيّدوا التكفيريين عام 2012 وانتظروا الانتصار الإسرائيلي الساحق عام 2023، ومشكلتهم ليست مع خيارات الحزب الصائبة، بل مع رهاناتهم الفاشلة.