IMLebanon

حرب الخيار المفروض والرهان على الفراغ

 

 

لا مهرب من الواقع، مهما تكن الإلتزامات: مساندة «حماس» ضد الهمجية الإسرائيلية في حرب غزة ليست أولوية تتقدم على معالجة لبنان الجريح المتروك على الطريق الى مصالح المافيا المالية والسياسية والميليشيوية. لكن المشكلة ان ترتيب الأولويات في حسابات الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها يبدو مختلفاً. فلا شيء يوحي ان فسحة تلوح في الأفق السياسي المسدود. ولن يتغير حرف في موقف «الثنائي الشيعي، لا في موضوع الجبهة الجنوبية ولا في مسألة الرئاسة، ولو تكررت زيارات الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ونشط سفراء «الخماسية» العربية والدولية، وجاء الوزراء وحتى الرؤساء الى بيروت. كل مبادرة خارجية او داخلية تصطدم بجدار فولاذي أقامه «حزب الله». وأي كلام على حل دبلوماسي لتطبيق القرار 1701 وانسحاب إسرائيل من النقاط التي يتحفظ عنها لبنان على الخط الأزرق او لإنهاء الشغور الرئاسي يتكرر الرد عليه: لا كلام قبل ان تنتهي حرب غزة وبانتصار «حماس». ولا رئاسة قبل حوار ينتهي بالتوافق على مرشح لا مجال للتوافق عليه.

 

مفهوم ان «حزب الله» في موقف دقيق وحساس ضمن الموقف الإيراني: لا يريد الإنزلاق الى حرب مفتوحة شاملة، ولا يستطيع التوقف عن حرب «المشاغلة» التي قد تقود الى حرب شاملة تريدها اسرائيل، ولا يقبل فك الإرتباط بين جبهة الجنوب وحرب غزة، ولا يأخذ بعين الإعتبار دوافع نتنياهو السياسية الشخصية وتهديدات غالانت وقول هوكشتاين إن الهدنة في حرب غزة لا تشمل بالضرورة جبهة الجنوب، وإنه «لا شيء اسمه حرب محدودة». اما موقف اكثرية اللبنانيين في معظم الطوائف ضد حرب «المشاغلة» والحرب المفتوحة بالطبع تخوفاً من تدمير لبنان، فإنه لا يتأثر به ما دام «شعب المقاومة» يلتف حوله. وأما منطق القائلين إن فتح الجبهة الجنوبية لم يخفف شيئاً عن غزة ومعاناة شعبها موتاً وجوعاً ونزوحاً، فإنه يرفضه من دون التركيز على الخسائر في الجنوب، والإشارة الى أن المستفيد هو إيران التي صارت الرقم الصعب في المعادلات والمفاوضات الإقليمية والدولية.

 

وليس وراء الظاهر في الخطاب المتكرر يومياً عن ضرورة انتخاب رئيس أمس قبل اليوم سوى فعل كل ما يمكن لتعطيل الإنتخاب. فالفراغ مناخ مثالي للحرب عبر الجنوب وحرية الدور الإقليمي. والدعوات في الداخل والخارج الى المسارعة لملء الشغور الرئاسي تحسباً لدور لبنان في المفاوضات المقبلة حول التسويات، يأتي الرد العملي عليها باللاحاجة ما دام المفاوض الحقيقي عن لبنان ليس الرئيس ولا الحكومة بل صاحب السلاح والممسك بقرار الحرب والسلم. ثم ما الذي ينقص «حزب الله» ورئيس المجلس النيابي ورئيس حكومة تصريف الأعمال في غياب الرئيس، ما داموا يفعلون ما يريدون بالبلد وبقايا السلطة؟

 

ليس بين التوقعات ان يبادر الذين يديرون لعبة السلطة في الفراغ الى تغيير اللعبة والمجيء برئيس للجمهورية سيكون له، مهما تكن ارتباطاته، رأي او اقله كلام على حق لبنان الضائع حالياً. ولا ان يعترفوا بالمفارقة المذهلة الى جانب التسليم بالخطر الإسرائيلي على لبنان: جزء من الخطر صار ما يتم تصنيفه في باب رد الخطر.

 

يقول روبرت كاغان: «كل حروب أميركا حروب خيار». لكن لبنان الذي لم يعرف سوى حروب الإضطرار المفروضة عليه، تأخذه «المقاومة الإسلامية» اليوم الى حرب بالخيار لا بالإضطرار.