إنه الخلاف العميق والتضارب في المصالح الشخصية بين بايدن ونتنياهو، وما هو سوى انعكاس للإنقسام الكبير في الداخل الأميركي الذي لم يرتقِ يوماً إلى المستوى الإستراتيجي كما حصل في نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما وصل إلى ذروته بما سُمّيَ «واقعة الكابتول».
هذا الإنقسام العمودي أتاح لنتنياهو أن يلعب على هامش التناقضات الأميركية الداخلية، حتى وصل الأمر على لسان ديبلوماسية رفيعة المستوى حَد القول صراحة: «نتنياهو لا يجيب على بايدن».
نعم إنه الرقص على حافة الهاوية، فمصير نتنياهو المحتوم فيما لو انتهت الحرب في غزّة، إضافة إلى الواقع الأميركي الداخلي، يعزّزه الدخول في مرحلة الإنتخابات الرئاسية، وحاجة الطرفين الى الصوت والمال والإعلام اليهودي، هو السبب وراء تمادي نتنياهو في الفتك بغزّة وعدم الإكتراث للأوقات والمهل وعدد الضحايا.
هذا في غزّة، أما جنوباً فتبقى الإحتمالات مفتوحة في لبنان، ولو كانت الجهة الديبلوماسية الغربية الرفيعة تُرجّح كفّة التصعيد، وصولاً إلى عملية بريّة، نظراً الى الواقع السياسي والميداني، وخصوصاً الإسرائيلي.
ففي السياسة لا تستطيع أميركا إعطاء ضمانات في ظل واقع الجنوح والسلوك غير المنضبط لنتنياهو، وحاجته لإنجازٍ ما في مكانٍ ما إن لم يحصل عليه صراحة في غزّة قد يبحث عنه في جنوب لبنان.
نعم إنه الليطاني
فأزمة النزوح المستفحلة في شمال اسرائيل، تجعل العودة مستحيلة إن لم يطرأ تطوّر ما على الحدود. هذه القراءة الاسرائيلية تؤدي بها الى ان تَضع عودة «حزب الله» لما وراء الليطاني خطاً أحمر، ومطلباً أساسياً لوقف الأعمال الحربية مع لبنان، مع فك الإرتباط بأي تطورات في غزّة، لأن وقف الحرب في غزّة مع إبقاء الوضع القائم في جنوب لبنان، لن يعيد المستوطنين النازحين الى بيوتهم.
هذه القراءة الإسرائيلية، تقابلها قراءة أميركية أكثر ليونة يحملها هوكشتاين في زيارته الأخيرة والمقبلة، مفادها «العودة الشكلية» إلى ما وراء الليطاني، أي أن الوجود المدني لا يمكن إلغاؤه جنوب الليطاني في القرى والسكان، على أن تتم السيطرة على وجود المراكز العسكرية المتقدمة لـ»حزب الله» وكذلك الوجود العسكري والمظاهر المسلحة، وتقول أوساط ديبلوماسية غربية مطّلعة انه مشهد يشبه صورة ما قبل السابع من تشرين الأول مع بعض الاجراءات الإضافية.
تعنّت اسرائيلي وليونة أميركية يعقّدان المشهد الجنوبي الذي بدأ يأخذ مساراً منفصلاً عن التطورات المقبلة في غزّة، ويرتبط أكثر منه بالتسوية السياسية الداخلية التي قد تعيد إلى قصر بعبدا ساكنه، في أي لحظة، ولمَن سأل عن التوقيت، فالجواب: عقارب البوصلة جنوباً.