طوال الأشهر العشرة الماضية، كان قصف الضاحية الجنوبية فرضية مستبعدة. بعد استهداف العدو مبنى سكنياً في حارة حريك مساء 30 تموز الماضي لاغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر، ودخول بيروت لائحة الخرق الروتيني لجدار الصوت، «بدأت الحرب» في الضاحية قبل أن تقع، واستعاد سكانها خطط الطوارئ الاحترازية التي كانوا قد أعدّوها عند بداية طوفان الأقصى، قبل أن يركنوا إلى أن ضاحيتهم خارج خريطة القتال. هكذا عاد كثرٌ الى البحث عن شقق خارج المنطقة، فيما غادر آخرون بالفعل.جولة سريعة في حارة حريك والرويس وبئر العبد وبرج البراجنة وطريق المطار تؤكد أن هذه «مش الضاحية»، بعدما فقدت كثيراً من ضجيجها نهاراً وبات يسكنها الهدوء ليلاً. حركة السيارات والدراجات خجولة، تشبه ما تكون عليه في العطل والأعياد. رحلة «السرفيس» لم تعد تستغرق أكثر من دقائق، مع تأكيدات السائق أن «الشغل تراجع إلى النص بسب ندرة الركاب الذين حصروا مشاويرهم بالذهاب إلى العمل وبالزيارات الضرورية». شارع العنان في برج البراجنة يمكن قطعه من دون «دعسة فرام» بعدما كان اجتيازه «حلماً».
جوّ الحرب انسحب على الأسواق ركوداً في حركة البيع والشراء. «بعد الحرب»، يردّ صاحب محل للأدوات الصحية في المريجة على سؤال زبونة له: «متى ستؤمّن لي هذه الحنفية؟». هدوء يخيّم على سوق عين السكة في البرج المعروف بصخبه، «فالناس لم تعد تتفتّل بين المحالّ، بل تقصد محلاً لشراء حاجاتها الأساسية وتعود إلى منزلها»، كما يقول صاحب محل للألبسة. وإلى «ما بعد الحرب» أيضاً، يؤجّل الأهالي التفكير في العام الدراسي المقبل، متجاهلين رسائل المدارس «بضرورة حجز مقعد للعام الدراسي المقبل وتسديد دفعة أولى من القسط»، لعدم تيقّنهم ما إذا كان هناك عام دراسي أصلاً، ولأن «الأولوية الآن لتأمين شقة خارج الضاحية»، يقول زبون أحد المكاتب العقارية.
جوّ الحرب انسحب ركوداً في الأسواق والبعض يقضي نهاره في الضاحية وينام خارجها
عدد لا يستهان به من العائلات غادر الضاحية، ومنهم من يقضون نهارهم في الضاحية وينامون خارجها. في أحد الأبنية في برج البراجنة، غادرت جميع العائلات إلى الشوف، باستثناء عائلتين فقط. وأقفل نادٍ للرياضة في حارة حريك أبوابه بعدما غادرت الـ«كوتش» إلى بعلبك. فـ«رغم أن الحرب قد تشمل البقاع، إلا أن الضرب هناك يستهدف منازل أو أراضي خالية، أما في الضاحية فيستهدف أبنية بكاملها، عدا عن قرب البقاع من سوريا التي تبقى خياراً للنزوح كلما ساءت الأمور». أما من بقوا، فقد جهّزوا حقائبهم و«فوّلوا» سياراتهم بانتظار لحظة الصفر التي تتعرض فيها الضاحية للقصف. فيما هناك فئة لا تملك «ترف الهروب» في ظلّ الإيجارات الهستيرية التي تُطلب واستغلال أصحاب الشقق في المناطق الآمنة ورفع الإيجارات بشكل هستيري.
المطاعم لا تزال مفتوحة، ولكن مع تراجع ملحوظ في عدد الزوار، تقدّره مسؤولة العلاقات العامة في مطعم «الجواد داينيغ» في طريق المطار «بحدود الـ 25%»، موضحة أنها «نتيجة طبيعية للخوف والقلق والترقب السائد». لكن الحال تختلف في «سناك الآغا» في أوتوستراد السيد هادي، حيث «حركة البيع لم تتأثر سواء عبر خدمة التوصيل أو من خلال الاستقبال في الصالة التي تمتلئ بالزبائن ليلاً»، كما يؤكد المسؤول في المطعم سليمان شمص. وفيما يبدو ذلك مفاجئاً وخاصة بالمقارنة مع «تراجع البيع في الفرع الثاني للمطعم في رأس النبع خلال الأسبوع الأخير بنسبة تتراوح بين 30% و40%»، يبرّر شمص ذلك بأن «النساء لم تعد تطبخ بحجة الخوف من الحرب»!