IMLebanon

إسرائيل تمسح قرى الجنوب ومخاوف من إنشاء منطقة عازلة

 

تُظهر الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية دماراً هائلاً في جنوب لبنان، عبّرت «اليونيفيل» عن صدمتها تجاهه. وبعدما صارت المناطق الحدودية نقاط قتال ساخنة وخطرة، باتت الصور الجوية التي تنشرها وكالات الأنباء الأجنبية وما ينشره الجيش الإسرائيلي ويتداوله إعلامه العبري، مدخلاً أولياً ضرورياً لمشاهدة ما آلت إليه الأوضاع وحجم الدمار الحاصل.

في الواقع، فإنّ حجم الدمار مرعب خصوصاً في قرى الشريط الحدودي. وتبدو القرى من السماء وكأنّها لم تكن مسكونة يوماً. بعدما نسفت إسرائيل عبر غاراتها وتفجيراتها المنازل والبيوت والمرافق فيها وبدّلت ملامحها.

 

 

وفيما لم تنتهِ الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل، في ظلّ عدم وجود مؤشرات حقيقية يمكن البناء عليها للتفاؤل، وفيما تعتمد إسرائيل سياسة التدمير عينها التي اعتمدتها في غزة، تُصبح الخسائر على الأرض كبيرة ومرشحة للارتفاع أكثر.

 

وفي السياق، يكشف الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ«الجمهورية»، أنّ 29 قرية في جنوب لبنان قد نُسفت بكاملها. ويشرح أنّ الدمار يبدأ من الناقورة غرباً وحتى شبعا شرقاً بعمق 3 كيلومترات من الحدود، ما يعني أنّ الدمار طاول 300 كلم مربّع.

 

ويلفت شمس الدين في حديثه إلى أنّ المنطقة المدمّرة كانت تضمّ نحو 31 ألفاً و770 منزلاً، وكان يعيش فيها دائماً قبل اندلاع الحرب ما يقارب من 90 ألفاً. ويقول إنّ «الدمار الكلي والمرعب يظهر بشدّة في بلدات: محيبيب، عيتا الشعب، الخيام، ميس الجبل، يارين والضهيرة». مشيراً إلى أنّ ما لم تقضِ عليه الغارات الإسرائيلية العنيفة جنوباً، قضت عليه التفجيرات الإسرائيلية التي طاولت القرى أخّيراً.

 

10 مليارات دولار

 

 

على صعيد الخسارة الاقتصادية، لا تبدو الصورة أقل ثقلاً، على اعتبار أنّ لبنان المستنزف مالياً أصلاً يتكبّد مزيداً مع استمرار القتال الذي لم يَعُد مقتصراً على منطقة بعينها.

 

ويكشف شمس الدين، أنّ التقديرات الأولية تشير إلى أنّ الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب تُقدّر بنحو 10 مليارات من الدولارات، خصوصاً مع دخول الحرب مرحلة جديدة منذ 7 أيلول المنصرم وحتى اليوم. ويستمر الاقتصاد في العمل بنسبة 50% من طاقته فقط. وحالياً يخسر لبنان يومياً ما يقارب 30 مليون دولار.

 

ومع استمرار تعثّر المفاوضات ورفع السقوف الإسرائيلية في وضع شروط وقف إطلاق النار، يبقى الحل مستبعداً. وعليه فإنّ الاستعداد للأسوأ ضروري، على اعتبار أنّ التوقعات الاقتصادية قاتمة في ظلّ هذه المراوحة القاتلة.

 

وفي هذا الإطار، يتوقع شمس الدين ألّا يتمكن قسم كبير من الموظفين من الاستحصال على رواتبهم في الأشهر المقبلة، خصوصاً مع توقف حركة العمل وصعوبة استحصال المعامل والمؤسسات على عقود عمل جديدة أو صفقات جديدة مع الخارج نظراً للأوضاع غير المستقرة.

 

 

إعادة الإعمار

 

وإن خرجنا من الوضع القاتم وتحدّثنا بتفاؤل عن انتهاء الحرب، نصطدم بالكلفة العالية لإعادة الإعمار. وبحسب شمس الدين فإنّ متوسط كلفة إعمار كل وحدة سكنية يصل إلى 75 ألف دولار في الحدّ الأدنى.

 

علماً أنّ هذه الكلفة ستكون أكبر بكثير بالنسبة إلى كثير من الوحدات السكنية الأخرى التي تعرّضت للتدمير. ويلفت إلى أنّ كثيراً من القصور دُمِّرت في الجنوب، خصوصاً في يارون، بالتأكيد فإنّ كلفة إعادة إعمار كل قصر منها على الأقل تتجاوز الـ75 ألف دولار بكثير.

 

أمّا بالنسبة إلى الفترة الزمنية التي يحتاجها لبنان لإعادة الإعمار وعودة السكان إلى منازلهم، فيربطها شمس الدين بحجم المساعدات التي ستُقدّمها دول الخارج للبنان في اعتبارها ضرورية لإعادة البناء.

 

أمام هذه الصورة والواقع والإصرار الإسرائيلي على نسف القرى، ولا سيما منها تلك التي تقع في منطقة الشريط الحدودي، تخوّفت مصادر متابعة من أن تكون إسرائيل تسعى بذلك إلى إقامة منطقة عازلة بينها وبين لبنان، ولذلك فهي تُحضّر الأرض عبر نسفها وتدميرها. خصوصا أنّ إسرائيل اعتمدت هذه الاستراتيجية سابقاً في غزة، ولا يبدو السيناريو في لبنان مغايراً كثيراً بعد.

 

 

ولا بُدّ من الإضاءة هنا على ما كشفته الباحثة البارزة في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي أورنا مزراحي: «إنّ الهدف الفوري لإسرائيل لا يتمثّل في إنشاء منطقة عازلة، إلّا أنّ هذا قد يتغيّر». وتضيف: «قد نجد أنفسنا مضطرّين للبقاء هناك حتى نضمن وجود ترتيبات تمنع «حزب الله» من العودة إلى المنطقة».