هل تدخل إيران الحرب دفاعاً عن لبنان؟!
بعقل بارد وأعصاب هادئة يقرأ حزب الله تطورّات جبهات القتال وتداعياتها على الكيان وارتداداتها على لبنان.
«ساعة زمان» لم تكن كافية للغوص في تفاصيل الأمور وتعقيداتها لكنّ قياديًّا كبيراً في الحزب أحاط بالعناوين الأساسيّة ملخّصاً رؤية حزب الله ومقاربته للحرب الدّائرة في غزّة وأبعادها الاستراتيجيّة على الكيان الصّهيوني بالخصوص، وعلى المنطقة بشكل عام، ولنظرة الحزب البعيدة حول جبهة الإسناد في الجنوب بعيداً من النّقد، المشروع، في الدّاخل اللّبناني ما دام في حدود مراعاة المصلحة الوطنيّة.
في البدء والختام كانت غزّة سيّدة المواقف والكلام، يقول القياديّ بأنّ الجيش الإسرائيلي تلقّى ضربة على رأسه في حرب تمّوز 2006 وصار معها هدف القضاء على المقاومة من الماضي، أمّا اليوم فالكيان كلّه يترنّح تحت وقع ضربة «طوفان الأقصى»، والحرب الفاشلة الّتي يخوضها جيشه العالق في غزّة من دون أهداف واضحة وبلا أفق سياسيّ قابل للتّطبيق.
وكلّما طالت الحرب ازدادت مؤشّرات القلق الصّهيوني من الخطر الوجودي الّذي يتهدّده، وأبرز تلك المؤشّرات الكثيرة تتمثّل في حركة الهجرة المعاكسة الّتي يتكتّم إعلام العدوّ عن حجمها وفقدان ثقة المجتمع الإسرائيلي بالجيش، وهاتان النّقطتان تشكّلان جوهر وجود الكيان وهذه المعضلة يصعب ترميمها وتحتاج وقتاً طويلاً وظروفاً لا تبدو مؤاتية مع تراكم الإخفاقات منذ 7 تشرين الماضي، فعندما تنتهي الحرب ستبرز الخلافات الدّاخليّة ومعها تداعيات الخسائر الخارجيّة غير المسبوقة في العلاقات العامّة وأمام محكمة العدل الدّوليّة، والأهمّ على المدى البعيد هي صحوة ضمير الإنسانيّة لدى الأجيال الشّابّة في الغرب والّتي ترجمتها انتفاضة الجامعات في الولايات المتّحدة الأميركيّة وبعض الدّول الأوروبيّة.
وخلافاً لما هو سائد، يرى القياديّ بأنّ رئيس وزراء العدو يدرك جيّداً ما يريد، لكنّه عاجز عن تحقيقه، فالهدف الأسمى بالنّسبة إليه كان تهجير أهل غزّة إلى سيناء، لكنّ مشروع «الترانسفير» سقط، فانتقل نتنياهو إلى هدف أدنى، لا يبدو سهل التّحقّق أيضاً، وهو إدارة قطاع غزّة بعد الحرب على غرار إدارة الضّفّة الغربيّة، ونلمس ذلك على الأرض من خلال توسيع ممرّ «نتساريم» الّذي يقسم قطاع غزّة إلى شطرين، والسّيطرة على محور «فيلادلفيا» لعزل القطاع عن مصر وإحكام القبضة الأمنيّة على المعابر «غير الشّرعيّة، أمّا الميناء العائم الّذي بنته الولايات المتّحدة الأميركيّة فهو مطلب نتنياهو بالأساس ليبقى منفذاً وحيداً يمكن التّحكّم به والسّيطرة عليه.
وصحيح بأنّ لنتنياهو حسابات شخصيّة تتعلّق بمصيره الشّخصي، لكنّه يدرك أيضاً بأنّ وقف الحرب من دون تحقيق أهداف واضحة يهدّد مصير الكيان كلّه، ويلتقي معه في هذه القراءة عضو حكومة الحرب «بيني غانتس» وإن اختلفا في بعض التّفاصيل.
أمّا عن طرح «حلّ الدّولتين» الّذي تروّج إليه إدارة «جو بايدن» فتلك كذبة يتسلّى بها الرّئيس الأميركي وسلعة بالية يريد تسويقها لأهداف انتخابيّة، بدليل الرّفض المطلق للفكرة من قبل الصّهاينة أنفسهم، لعلمهم بأنّ أيّ دولة تعطى للفلسطينيين ستشكّل لاحقاً تهديداً وجوديًّا لكيانهم، وهذه غزّة المحاصرة دليل واضح على خوفهم وقلقهم.
وبناء عليه، فإنّ أفق نهاية الحرب ليس واضحاً ولا يبدو قريباً، علماً بأنّ الحرب بالمعنى العسكريّ قد انتهت وما نشهده لعبة عضّ أصابع بين المقاومة والعدو.
وعن الخلاف بين بايدن ونتنياهو يقول: «ذلك توزيع أدوار وضحك على العرب والمسلمين، فعندما يقرّر الأميركيّون إنهاء الحرب ستقف «بشخطة قلم».
وليس بعيداً من غزّة وحربها يُعرض القياديّ عن الخوض في سيل الانتقادات الّتي يسوقها خصوم المقاومة في لبنان ضدّ قرار فتح جبهة المساندة في الجنوب فتلك أصوات، وإن استندت إلى ادّعاءات السّيادة والوطنيّة، إلّا أنّها قاصرة، في أحسن الأحوال، عن قراءة المشهد الدّولي والإقليمي، ومن لا يرى تداخل مصالح الدّول وتدخّلاتها خارج حدودها الجغرافيّة لا يمكنه المشاركة في صياغة دوره ودور وطنه في العالم الجديد قيد التّشكّل.
المسألة من وجهة نظر الحزب أبعد وأعمق من حسابات الوطن الممنوع عليه إقامة دولة قادرة على مواجهة التّحدّيات ودرء المخاطر وجلب المصالح، فالدّول نفسها الّتي تمنع تسليح الجيش اللّبناني وتمنع استخراج النّفط وتحول دون عودة اللّاجئين السّوريين وترفض حلّ أزمة الكهرباء عبر سوريا والأردن، هي نفسها الدّول الّتي تحمي «إسرائيل» وتدعمها بالمال والسّلاح وتغطّي جرائمها بحق الفلسطينيين.
فبأي ميزان يزن هؤلاء ومواقفهم، وهل يختلف عاقلان على خطورة انتصار «إسرائيل» في غزّة على لبنان ودول الجوار؟
ماذا لو نجح مشروع التّهجير إلى سيناء، وماذا ينتظر الأردن بعد حين، وماذا عن اللّجوء الفلسطيني في لبنان إذا تمّت تصفية القضيّة الفلسطينيّة؟
أسئلة مصلحيّة بحسابات وطنيّة إجاباتها بديهيّة، هذا إذا تجرّدنا من إنسانيّتنا وقوميّتنا وأخلاقنا الإيمانيّة، فلو قارب المعترضون على فتح الجبهة المسألة بعين وطنيّة منصفة لشكروا المقاومة على بذلها وتضحياتها في سبيل حماية لبنان من تهديدات وتصريحات العدو المعلنة، ناهيك عن مشروعه الكبير الّذي لم ولن يتخلّى عنه لأنّه في صلب عقيدته التّلموديّة.
هذه الأصوات نفسها تتّهم الحزب بالسّطو على السّلطة ومنع قيام الدّولة، ولكن نحن جاهزون لبناء دولة حقيقيّة ذات سيادة وقرار حرّ، ومؤسّسات خالية من الفساد الإداري والمالي وهذا جزء من عقيدتنا وإيماننا وثقافتنا الدّينيّة والأخلاقيّة، فهل هم جاهزون لذلك؟ أم يريدون منّا أن نتخلّى عن عناصر قوّتنا ونتنازل عن تضحياتنا وإنجازاتنا لنضعها في سلّة الأميركيين؟
لسنا أغبياء ولن نفرّط بحقوقنا وإنجازاتنا تحت أيّ ضغط وفي أيّ ظرف، ونتعامل مع المسائل الدّاخليّة بمنتهى الانفتاح والموضوعيّة ولا ربط بين الحرب والرّئاسة، نحن ندعم ترشيح زعيم تيّار المردة سليمان فرنجيّة وهذا حقّنا الطّبيعي ولا ننتظر تسوية خارجيّة لانتخابه، فموقفنا نابع من قناعتنا والمشكلة ليست عندنا بل عند الآخرين الّذين لا يملكون مشروعاً ولا رؤية ولا تصوّراً واضحاً للبنان ودوره وموقعه في ظلّ المتغيّرات الّتي تشهدها المنطقة والعالم.
بالعودة إلى جبهة الجنوب وتطوّراتها يلفت القياديّ إلى أنّ العدوّ الإسرائيلي رفع من وتيرة تصعيده في اليومين الأخيرين وانتقل إلى ضرب أهداف محتملة بعدما كان يستهدف أهدافاً مؤكّدة بالنّسبة إليه، وهذه مرحلة جديدة ستتعامل معها المقاومة بما يناسبها، مع احتمال تصاعد الأعمال العدائيّة لتطال مديات أوسع بسبب الضّغط الّذي تتعرّض له قيادة العدو من سكّان الشّمال النّازحين منذ بدء الأعمال القتاليّة.
ويستبعد القيادي العارف بتفاصيل الحرب وحيثيّاتها اندلاع حرب شاملة مفتوحة لأسباب كثيرة باتت معروفة، لكنّ الملفت ما أشار إليه بأنّ الأميركيين مقتنعون بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ستدخل الحرب بشكل مباشر في حال شنّت «إسرائيل» حرباً مفتوحة على لبنان بهدف إضعاف المقاومة!