IMLebanon

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة 

 

 

الحقيقة تنتج عن قناعة لدى الانسان وفي عقله البشري والانساني، او عن ايمان راسخ لا يقبل التبدل عندما يكون مؤمنا بالله سبحانه تعالى وبدينه. وقد تجتهد بعض المرجعيات الدينية ومنها من يصل الى تكفيره، ومنها من يصل الى مركز مرجعية دينية محترمة جدا تتصل بالروح الالهية ويسير حولها، ويجتمع معها الكثير من المؤمنين.

 

اما الحقيقة كما هي ما بعد الحقيقة، فهي حقيقة الامر الواقع التي تستمر بفترة من الزمن، ثم تأتي حقيقة اخرى تنتج عن التحول التي حصل في فترة من الزمن، وتصبح هي الحقيقة وتلغي الحقيقة السابقة كليا، او تقوم باكمال مسيرة هذه الحقيقة لكن في صورة مختلفة.

 

حقيقة الامر الواقع لا يمكن ان تكون ثابتة ، ولا يمكن ان تكون مستمرة.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، انه منذ 76 سنة انتصر العدو الصهيوني اي «اسرائيل» على الشعب الفلسطيني وعلى جيش الانقاذ العربي، وقام بتهجير الشعب الفلسطيني الذي جاء نصف مليون منهم الى لبنان، وملايين الى سوريا والاردن ومصر، مع دعم بريطاني وفرنسي وحتى اميركي. ومع تسليح العصابات الصهيونية «الإرغون» و»شتيرن» و»الهاغاناه» ، نظمت الصهيونية حملات ابادة وجرائم حرب كما يحصل حاليا في قطاع غزة، واستولت على القرى والمدن الفلسطينية، وهاجر شعبها منذ ذلك الوقت، وحتى الآن ما زال في المخيمات.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، هي ان لبنان ذاهب نحو حرب عميقة ضد «اسرائيل»، وقد تكون قريبة وقد تكون بعيدة، لكنها حتمية الحصول. فحزب الله راكم قواه بحجم اكثر من 20 مرة عن حرب 2006 ، وبعد تحرير الشريط الحدودي كان خطاب لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قال فيه ان «اسرائيل» اوهن من بيت العنكبوت، وهي عبارة ستصبح تاريخية، وقد ظهرت في عملية طوفان الاقصى. لكن في ذات الوقت ظهرت «اسرائيل» على انها مقابل كل نقطة دم تنزف من يهودي، ترتكب الابادة الجماعية وجرائم الحرب للعائلات والاطفال والنساء والمسنين دون رحمة ودون هوادة.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، ان زمن الدبابات «الاسرائيلية» عندما كانت تتجول وتدخل حدود لبنان واراضيه ولا تجد من يقاومها، فان هذا الزمن قد ولى، وان «اسرائيل» التي كانت تشن حروبها وتنتصر فيها خلال ايام وبحد اقصى خلال بضعة اسابيع قد انتهى. ولكن هل طوفان الاقصى هو قرار من حركة حماس والجهاد الاسلامي، ام هو قرار ايراني مع حماس والجهاد الاسلامي؟

 

والحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، هو ان طوفان الاقصى جرى بين حماس والجهاد الاسلامي بالتنسيق مع ايران ، وعلى علم دون ان يستطيع احد التأكيد مع حزب الله. ان حماس والجهاد الاسلامي لم يقوما بدراسة حشد القوة «الاسرائيلية» في وجههما، بل قاما بدراسة حجم الصمود، فيما ترك حوالى المليوني مدني واكثر فوق الارض، ولجوء 60 الف مقاتل في الانفاق تحت الارض، ما ادى الى مجزرة بحق المدنيين والاطفال والنساء الذين تم تركهم فوق الارض في قطاع غزة. انما الحقيقة كما هي الآن هي ان حماس والجهاد الاسلامي والشعب الفلسطيني في قطاع غزة لقنوا العدو الاسرائيلي درسا في الصمود والمقاومة، وانزلوا فيه خسائر بالآلاف من قتلى وجرحى وتدمير آليات ومدرعات، كما ضربوا هيبة جيش العدو الاسرائيلي، وهو الجيش السادس في العالم الذي يعتبر نفسه لا يقهر.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، هي ان حربا عميقة جدا ستحصل بين لبنان و»اسرائيل» قريبا او بعيدا ، وستكون خطيرة جدا وتقرر مصير الاقليم كله، وان «اسرائيل» ستقصف مراكز في لبنان من طائرات اميركية حديثة جدا، وقنابل ثقيلة تصل الى 3 اطنان ، انما صواريخ حزب الله الباليتسية ستصيب «اسرائيل» بخسائر كبيرة لم يعرفها الكيان الصهيوني في تاريخه، وسينبلج عن هذه الحرب نور جديد، نور الامل للشعب الفلسطيني بدولة يكون له فيها سيادة كاملة وشخصية واضحة، وله مركز بين الامم، ويكون للبنان كلمة كبرى في الاقليم بين الدول العربية والعالم.

 

انما هذا الوضع سيؤدي الى انقسام كبير في الرأي داخل الشعب اللبناني، فالاكثرية المسيحية والاكثرية الدرزية وقسم كبير من السنة لن يكونوا متضامنين مع هذه الحرب، لان جزءا مهما منهم يفضل الحياد ويريد لبنان السياحة، ويريد لبنان الاقتصاد الحر، وليس لبنان المواجهة.

 

في السبعينات كان الرائد الطيار هنري ضاهر يقود طائرة «ميراج»، والحقيقة هي كما كانت ما قبل الحقيقة ، ان الرائد الطيار هنري ضاهر انتصر على طائرة «اسرائيلية» حربية، واصبحت في مرماه لاطلاق صاروخ لاسقاطها، وابلغ قيادة سلاح الجو وقيادة الجيش في الامر، فطلبوا منه في آخر لحظة عدم اطلاق الصاروخ، لان اسقاط الطائرة «الاسرائيلية» كان حتميا . فاشتعل الرائد الطيار هنري ضاهر غضبا وعاد الى قاعدة القليعات في عكار، ومنها قدم استقالته من الجيش اللبناني كله.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، ان الجمهورية العربية السورية قامت بتعديل سياستها جذريا، فانفتحت على دول الخليج واقامت التوازن في علاقاتها ما بين ايران ودول الخليج العربي، كما سارت بوساطة روسية من خلال نصيحة الرئيس بوتين للرئيس الاسد. كما ان الرئيس الروسي لعب دورا كبيرا في نقل رسائل «اسرائيلية» الى سوريا، بانه في حال جاء الحرس الثوري الايراني الى مطار دمشق واقام مراكز ليجتمع مع فصائل فلسطينية، فالطيران «الاسرائيلي» سيقوم بغارات على مطار دمشق وعلى هذه المراكز. اما اذا جاء الحرس الثوري الايراني لتدريب الجيش العربي السوري فلا توجد اي مشكلة، ومنذ ذلك الوقت انخفضت بشكل كبير الغارات «الاسرائيلية» العدوانية على الاراضي السورية.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، ان سوريا ستتعافى تدريجيا. لكن بسبب اوضاعها بعد الحرب الكونية عليها، وبسبب الوضع الاقتصادي والعقوبات الاميركية والاوروبية، فانها خرجت حاليا من مهمة وحدة ساحات الحرب. وبقي في الحرب لبنان من خلال مقاومة حزب الله والشعب الفلسطيني، ومن خلال حماس والجهاد الاسلامي، والحوثيين في اليمن وانصار الله في العراق.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة، هي ان ايران اشعلت الحرب ضد الكيان الصهيوني عبر الفصائل الفلسطينية التي تريد القتال ، وقامت بتسليحها وتمويلها واعطائها خبرات هامة في تصنيع الصواريخ الباليتسية والدقيقة، وايضا تكنولوجيا المسيرات وتدريب الكادرات سواء في حماس او الجهاد الاسلامي ام حزب الله، الذي لم يعد بحاجة لاستيراد اي صاروخ من ايران، لكن لا يمكن لاحد ان ينكر ان الجمهورية الاسلامية الايرانية وفق التقدير والتحليل كانت على علم بعملية طوفان الاقصى.

 

الحقيقة كما هي ما قبل الحقيقة حديث طويل، ولان المقال اصبح لا يتسع في الصفحة الاولى نختم هنا.