لا يبدو «حزب الله» قلقاً مِمّا ستفعله إسرائيل. في الدرجة الأولى هو يعتقد أنّها لن تلجأ إلى المغامرة الكبرى في لبنان، وفي الدرجة الثانية هو يعتقد أنّ إسرائيل لن تخرج سالمة من المغامرة، إذا حصلت، لأنّه جهّز ما يكفي من المفاجآت العسكرية.
يقول بعض الخبراء إنّ خسائر «حزب الله» من الكوادر والمقاتلين، في حرب الاستنزاف الحالية، تخطّت حتى الآن ما يمكن أن يتكبّده من خسائر في أي حرب واسعة. وهذا الواقع يجعل إسرائيل في حال اكتفاء، ويحدّ من جموحها إلى المغامرة بتوسيع الحرب، ما دامت تستنزف «الحزب» بهدوء، ومن دون أن تتكبّد أثماناً كبيرة.
حتى اليوم، يقابل «الحزب» عمليات التصفية التي تستهدف كوادره ومقاتليه بكثير من ضبط الأعصاب، وهو في أي حال معروف بالصبر وعدم التهور. وبالتأكيد يريد «الحزب» وقف هذا النزف الموجع، لكن الهدف السياسي الذي يسعى إلى تحقيقه يحتّم عليه مواصلة القتال على رغم الأثمان الغالية.
في الحرب الجارية، أظهر الإسرائيليون تفوّقاً مؤكّداً في نقطة محدّدة، لا على «الحزب» وحده بل على إيران نفسها أيضاً وسائر القوى الحليفة لها في الشرق الأوسط، وهي قدرتهم على اصطياد الشخصيات التي يريدون تصفيتها، في أماكن مختلفة، وعلى أرفع المستويات، فيما يعجز هذا المحور عن الردّ بالمثل. فالتفوق الإسرائيلي واضح في مجال الرصد والتتبع، باستخدام التقنيات الأكثر تطوراً، إلى جانب القدرات التقليدية في مجال التجسس.
وأما النقطة الثانية التي يتفوق فيها الإسرائيليون فهي سلاح الجو الذي يُعتبر بين الأرفع مستوى بين جيوش العالم، فيما لا يملك «حزب الله» وسائر حلفاء طهران في المنطقة قدرات جوية ذات شأن. وأما سلاح الطيران الإيراني نفسه فدوره يبقى محدوداً في المواجهة مع إسرائيل، أولاً لأنّه أقل تطوراً من سلاح الجو الإسرائيلي، وثانياً لأنّ المسافة بين إيران وإسرائيل تفوق قدرة المقاتلات على شنّ الهجمات السريعة، لأنّها تحتاج إلى محطات وسيطة تتزود فيها بالوقود. والدول العربية الواقعة عند الخط الفاصل بين الدولتين سترفض حتماً استخدام أجوائها، سواءً لمصلحة إسرائيل أو لمصلحة إيران.
ولكن، في الموازاة، هناك نقاط قوة يتمتع بها «حزب الله» تخوّله خوض مواجهة فيها شيء من التكافؤ مع إسرائيل. فقد أعلن السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة أنّ «الحزب» تلقّى أسلحة جديدة. وبالتأكيد، هذا الكلام ليس للمناورة. فبديهي أن يتلقّى «الحزب» تعزيزات استثنائية ومكثفة بالذخائر والسلاح لكي يعوّض ما يستهلكه في القتال المستمر بشراسة منذ 9 أشهر، والذي يستنفد الكثير من مخزوناته. ويحتاج «الحزب» خصوصاً إلى دفق متواصل من الصواريخ والمسيّرات التي تأتيه من إيران وروسيا. وإطلاقه «الهدهد» الذي نجح في رصد كل ما هو ثابت أو متحرك على الأرض حتى حيفا، كان رسالة واضحة إلى الإسرائيليين، وفحواها: هذا نموذج من المفاجآت المخبأة، ومن القدرات التي سنستخدمها في حال انفجار حرب واسعة.
وفي الواقع، في مقابل النقص الذي يعانيه «الحزب» في مجال الرصد والمعلوماتية وسلاح الطيران، هو يمتلك قدرات هائلة من المسيّرات وعشرات آلاف الصواريخ التي لطالما تحدثت إسرائيل عن وجودها لدى «الحزب»، متخوفة من امتلاكه مصانع تجعلها دقيقة التوجيه وقادرة على حمل شحنات غير تقليدية. وهذه المسيّرات والصواريخ يمكنها إرباك الإسرائيليين في العديد من المناطق التي تُعتبر بعيدة من الحدود الشمالية.
ويلفت بعض المتابعين إلى نموذج المواجهة الجارية في اليمن منذ بداية حرب غزة، وفيها يستخدم حلفاء إيران، الحوثيون، سلاح الصواريخ والمسيّرات أيضاً. وعلى رغم أن لا مجال للمقارنة بين الطرفين من حيث القدرات العسكرية، فإنّ الحوثيين قادرون على إرباك الأميركيين وتهديد الملاحة في البحر الأحمر. واعتماد هذا النموذج في لبنان يعني سيطرة «حزب الله»، ومن خلاله إيران، على جانب مهمّ من شرق المتوسط، بوابة أوروبا. والتحذير الذي وجّهه نصرالله إلى قبرص أخيراً له أهميته في هذا السياق.
يعني ذلك أنّ الحرب الكبرى على حدود الجنوب، إذا وقعت، فإنّها لن تكون مجرد نزهة يقوم بها الإسرائيليون وتستمر بضعة أيام كما يسوّق قادتهم. بل إنّ الحزب حضّر لها المفاجآت العسكرية، كما أنّ أحداً لا يضمن عدم تحوّلها حرباً إقليمية، بانضمام إيران المباشر إليها. وفي هذه الحال، سيتعرّض العمق الإسرائيلي لرشقات متواصلة من الصواريخ والمسيّرات.
وعلى الأرجح، لن تستطيع القبة الحديدية منع هذه الرشقات من دخول الأجواء الإسرائيلية، بسبب كثافتها وتوجيهها من أماكن مختلفة. وهو ما سيصيب إسرائيل بخسائر غير مقدّرة. وهذه المعطيات هي التي تسمح لإيران و»الحزب» وسائر الحلفاء بأن يتمسكوا بمواقفهم في النقاش مع عاموس هوكستاين وسائر الوسطاء، ولا يتنازلوا، مهما طال أمد المواجهات. لكن الحرب الكبرى قد تقع، وقد يخشاها الجميع ويتجنّبونها.