طُويت صفحة التّمديد لقائد الجيش العماد «جوزف عون» ولم يعد للحديث عن الكواليس والحيثيات الّتي سبقت تطيير جلسة مجلس الوزراء وانعقاد جلسة مجلس النّوّاب أيّ معنى سوى محاولة، من تورّطوا بمواقف سابقة غير محسوبة، تبرير تغيير موقفهم وإقرارهم مرغمين بحقّ المجلس النّيابي بالتّشريع بغياب رئيس الجمهوريّة، وأكثر من ذلك، إقرارهم بأنّ المجلس ليس في حال انعقاد دائم لانتخاب رئيس للجمهوريّة بل هي دورة عاديّة يتخلّلها دعوات لانتخاب الرّئيس عندما تتوافر ظروف يمكن البناء عليها، تماماً كما كان وما زال، الرّئيس نبيه برّي يقول ويفعل.
وعلى أهمّيّة الملفّات الداّخليّة وضرورتها تبقى الأولويّة لما يجري على حدود لبنان مع فلسطين ربطاً بالحرب المستمرّة على غزّة منذ أكثر من سبعين يوماً.
فـ «إسرائيل» مستمرّة في اعتداءاتها الّتي طالت عمق الجنوب، أوّل أمس السّبت، وقصفت بيتاً مدنيًّا في بلدة «حومين التّحتا» الّتي تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلّة، والمقاومة تحافظ على استهداف المواقع العسكريّة ضمن المدى الجغرافي الّذي اعتمدته منذ بداية المعركة، مستفيدة من الواقع الميداني لاختبار قدراتها وإمكاناتها في معارك جديدة في شكلها ومضمونها في مسار الصّراع المفتوح مع العدو.
آخر عمليّات المقاومة النّوعيّة كان في خراج مستوطنة «مرغليوت» حيث استطاعت طائرة مسيّرة انقضاضيّة الوصول بدقّة إلى هدف صهيونيّ مستحدث بعيد عن مجال الرّؤية المباشرة في منطقة حرشية عمياء حسب تقديرات العدو.
لكنّ الطّائرة وصلت رغم الاحكام الاستخباراتي المطبق للعدو، ورغم منظومات الباتريوت والقبّة الحديديّة وعشرات الطّائرات المسيّرة والحربيّة الّتي لا تفارق سماء الجنوب، واعترف العدو، رغم كلّ ذلك، بسقوط قتيل وجرح ثلاثة آخرين.
ولكن، ماذا بعد، وقد مرّ على المعركة سبعون يوماً؟
نقل موقع «اكسيوس» عن مصدر مطّلع قوله بأنّ مستشار الأمن القومي الأميركي «جاك سوليفان» أكّد لرئيس حكومة العدو الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» تأييد بلاده عمليّة عسكريّة ضدّ حزب الله في حال الفشل في التّوصّل إلى اتّفاق سياسي يطمئن «إسرائيل» على الحدود الشّماليّة، وهذا ما يدأب نتنياهو وغالانت وغانتس على ترداده في كلّ فرصة، فهل تنزلق الأمور فعلاً إلى حرب مفتوحة؟
أكثر المتفائلين يعتقد بأنّ نسبة استمرار الحال على حاله ٥٠/٥٠ وأكبر المتشائمين يعتقد بأنّ نسبة تمدّد الحرب من عدمها تساوي ٥٠/٥٠، هذه ليست أحجيّة لكنّ تداخل الملفات وتعقيداتها تجعل التكهّن بمآلات الأمور ضرباً من الجنون.
والدّليل على ذلك تخبّط إدارة بايدن نفسها، فقد جاءت زيارة «سوليفان» إلى تل أبيب بعد فشل «بلينكن» في وضع إطار واضح يمكن لـ «بايدن» أن يتعامل على أساسه مع «نتنياهو» وحكومته، فقد حمل سوليفان في جعبته نقاطاً عدّة للنّقاش، نجح في تحقيق بعضها وفشل في إقناع حكومة الحرب بأهمّها.
مصادر صحفيّة وسياسيّة، عبريّة وغربيّة، تقاطعت على التّأكيد بأنّ المبعوث الأميركي لم يستطع إقناع الاسرائيليين بوضع سقف زمني لوقف إطلاق النار ولا اتفق معهم على طبيعة «اليوم التالي» في غزة بعد نهاية الحرب، وكلّ ما استطاع أخذه وعوداً بزيادة تدفّق المساعدات الإنسانيّة ومحاولة تجنّب قتل المدنيين والتّركيز على عمليّات دقيقة تستهدف قيادة حركة حماس ومقاتليها.
بعد عودة «سوليفا» من زيارته ساد اعتقاد بأنّ نتنياهو استطاع امتصاص غضب بايدن الّذي عبّر عنه صراحة وعلانية ولأوّل مرّة الأسبوع الماضي عندما دعا إلى تغيير الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ «إسرائيل»، على حدّ تعبيره، بل ذهب آخرون إلى أنّ الأزمة الحقيقيّة هي أزمة بايدن وليس نتنياهو، فالأخير، ورغم الكارثة الّتي حلّت بكيانه في ٧ تشرين ورغم إخفاقه، إلى الآن، في تحقيق أيّ هدف يذكر، رغم كلّ ذلك يحظى بدعم شعبيّ كبير في حربه على غزّة، والإسرائيليّون لا يغيّرون حكّامهم أثناء الحروب.
أمّا بايدن فبات أسير موقفه الأوّل في الدّعم المطلق لإسرائيل ما أفقده جزءا مهمّا من شعبيّته خصوصا لدى الشّباب، فإذا تراجع خسر دعم اللّوبي اليهودي الأكثر تأثيراً وإذا استمرّ خسر الصّوت العربي والمسلم!
فما الحل؟..
يبدو أنّ الحلول والحروب تمرّ من «باب المندب» ومفتاح باب البحر إلى مصر وفلسطين بيد اليمن وأنصار الله هناك يحاربون بالماء بعدما سدّت أمام صواريخهم أقطار السّماء بدفاعات جويّة أميركيّة وإسرائيليّة وعربيّة.
فهل يكتمل عقد التّحالف الدّولي المزعوم لحرب اليمن؟ وهل يشعل، إذا تمّ، حرباً إقليميّة كبرى؟
أم أنّ ما يجري هناك رسائل من فوق وتحت الماء على هامش تسوية إقليميّة موضعيّة؟!
الأسابيع وربّما الأيّام القادمة تأتي بالجواب..