Site icon IMLebanon

كيف يعود اللبنانيون إلى منازلهم؟

 

 

 

أدخلت العمليات الميدانية بين حزب الله والعدو الإسرائيلي يوم الأحد المنصرم (25 آب/أغسطس) مجموعة من القواعد والضوابط التي فرضت نفسها في إطار ما اصطلح على تسميته وقف التصعيد في المنطقة. وقد يكون في الهجوم الإستباقي الذي نجحت إسرائيل في تنفيذه قبيل إنطلاق الهجوم الصاروخي للحزب على أهداف ثمينة في الداخل الإسرائيلي الكثير من الدلالات والدروس المستفادة التي ستلقي بثقلها على مستقبل العمليات العسكرية بين إيران وأذرعها من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. وبصرف النظر عن التقييم الذي قدّمه كل من حزب الله وإسرائيل لنتائج العمليات العسكرية، فإن إقرار الحزب بأن الهجوم الإستباقي قد نُفذ قبل تنفيذ خطته المرسومة ـــــــــ التي تم تحضيرها بعناية ــــــــــ يؤكد أن الجهد الإستخباراتي أضحى وحتى إشعار آخر الرقم الصعب في ترجيح ميزان القوى، بل هو العامل الأساس في تحديد الخيارات الميدانية لدى إسرائيل. هذا الجهد الذي أدى إلى انكشاف الهجوم المشار إليه هو ما أدى منذ إعلان حزب الله مساندة طوفان الأقصى إلى سلسلة من الإغتيالات التي طالت قادة لحزب الله من مستويات عديدة كان أكثرها دلالة استهداف كبير قادة الحزب فؤاد شكر. هذا دون أن ننسى أن هذا الجهد هو نتاج تعاون تقني وثيق تديره الولايات المتحدة مع حلفائها الذين استدعتهم إلى المنطقة لحماية إسرائيل، وهو قبل كل ذلك نتاج إلتزام يقع في صلب استراتيجيات هذه الدول، وهو ما حال دون رد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر بصورة فورية، وهو ما يحول دون الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. كيف يمكن قراءة إندفاعة الحزب في الرد بالرغم من الظروف الدقيقة التي عبّر عنها الأمين العام لحزب الله في أكثر من مناسبة سواءٌ على مستوى اتّخاذ القرار أو على مستوى اختيار الأهداف، وكيف يمكن قراءة المواقف الإيرانية التي سبقت الهجوم بساعات قليلة؟ ولماذا دفعت طهران بالحزب ليتصدر المشهد فيما بقيت هي تحاذر الرد وتنتظر النتائج؟ لقد كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي واضحاً في التعبير لوكالة «إيسنا» الحكومية عن حراجة موقف طهران قبل هجوم حزب الله بساعات: «لن نقع في الأفخاخ التي قد تكون منصوبة، وسيكون الإنتقام في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، ولا شك في ذلك على الإطلاق»، فيما جدّد قائد الحرس الثوري حسين سلامي من جهته وفي اليوم عينه تعهد بلاده بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ونقلت عنه وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية لدى سؤاله عن موعد الرد الإيراني، قوله: «ستسمعون أخباراً جيدة». فهل شاء سلامي الإيحاء بمعرفته المسبقة برد حزب الله المرتقب في اليوم التالي، وهل شاءت طهران استخدام حزب الله ولبنان كبالون اختبار لقدرات إسرائيل وحدود ردود فعلها بعد أن عجزت عن الإلتزام بموجبات نظرية وحدة الساحات؟ وأخيراً ما هي دلالات التزامن والإنضباط بين إعلان حزب الله انتهاء الرد على اغتيال شكر وإعلان إسرائيل نجاح الهجوم الإستباقي في إحباط مخطط حزب الله وعودة وتيرة العمليات إلى ما كانت عليه؟ لقد كان نصرالله واضحاً في طيّ صفحة الرد على اغتيال فؤاد شكر بصرف النظر عن النتائج التي تحققت، فيما بدت دعوة من يعنيهم الأمر للعودة  الى منازلهم غير واقعية في ظل استمرار العمليات بشكل يومي وفي ظلّ احتمال اندفاع الحزب الى رد جديد وهو ما أشار إليه نصرالله. لكن ما يرفع المخاطر نحو جولات جديدة من العنف على الحدود الشمالية لإسرائيل هي ردود الفعل الأميركية على هجوم حزب الله واعتباره سبباً موجباً لتدخل عسكري أميركي في المنطقة بمعزل عن توجيه أي اتهام لطهران أو تحميلها المسؤولية. لقد كان ملفتاً إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن تواصل الرئيس جو بايدن مع إسرائيل عقب «الهجوم الواسع» الذي شنه الحزب، وإعلان وزير الدفاع الأميركي «لويد أوستن» إنضمام حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» والمدمرات المرافقة لها إلى القيادة العسكرية الأميركية الوسطى «سنتكوم» بالتزامن مع هجوم حزب الله.وفيما تدفع الدروس المستفادة من مواجهات لبنان وغزة طهران إلى مزيد من الإنكفاء وتمضي واشنطن بكل ثقلها لفرض تسوية في غزة بالرغم من التراجع الكارثي في قدرات حماس على المواجهة أو في احتمال عودتها لإدارة القطاع، يعود القرار 1701 إلى الواجهة وتصبح ضرورات تطبيقه موجبة لإستكمال المشهد  تحت وطأة الحضور الأميركي في المنطقة واستحالة المواجهة، وتصبح دعوة نصرالله اللبنانيين للعودة إلى منازلهم واقعية.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات