عبثاً يطلق مجلس الحرب الإسرائيلي تهديدات للبنان. كل من في كيان العدو يعرف أنّ مساحة عمل حزب الله، منذ السابع من أكتوبر، لا يتجاوز عرضها خمسة كيلومترات، وهي تحت إطباق استخباراتي جوي من قبل المسيّرات التي تطلق صواريخ على كل ما ينبض، بعدما كانت لسنوات طويلة موضع مراقبة ثانية بثانية من الإسرائيليين بكل ما يملكون من تكنولوجيا وأقمار اصطناعية، ومن عملائهم في الداخل اللبناني، ومن قوات اليونيفيل…ورغم أنّ الحزب كان قادراً على توسيع نطاق العمليات لتشتيت التركيز الإسرائيلي، إلّا أنّه أصرّ، لأسبابه الخاصة، على حصر نطاق عملياته في هذه المساحة. وإذا كانت إسرائيل عاجزةً عن ردعه في هذا النطاق الضيّق (في غرفة نوم اليونيفيل) الذي لا يسمح بتخزين أسلحة نوعية، فكيف الحال مع بقية الكيلومترات حتى جنوب نهر الليطاني، ناهيك عن كامل الجغرافيا التي ينتشر فيها الحزب!
خلصت إسرائيل إلى وجوب اختراع وهم جديد تقنع به جمهورها، عنوانه «تكثيف الجهود الديبلوماسية والضغوطات الأميركية – الأوروبية على لبنان لتطبيق القرار 1701». وكل ما يحصل اليوم، في هذا السياق، تكرار لمسرحية 2006 ومعزوفة دور اليونيفل، بما يسمح للعدو بالقول إنه حقّق ديبلوماسياً ما كان يصعب تحقيقه عسكرياً… وكلّها أمور لا يصدّقها المستوطنون. علماً أنّ موجة المطالبة بتنفيذ القرار 1701 وفقاً للتفسير والمصلحة الإسرائيليَّين خفتت في الأيام القليلة الماضية، وإن كان يرجح أن تستعر مجدداً مع زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت.
في المقابل، يجزم المطّلعون على موقف المقاومة أن لا مجال أبداً لتقديم هدايا مجانية للإسرائيليين، حتى ولو كانت فارغة أساساً. فظروف إنتاج القرار 1701 عام 2006 غير قائمة. يومها، كان هناك تحالف إقليمي – دولي يدعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أصرّ في ظل العدوان على تطبيق ما وصف بالنقاط السبع، وعلى إلزام حزب الله بحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. لكنّ الأمر انتهى بأن تُرك لكلٍّ من طرفي النزاع تفسير النص كما يراه مناسباً، فتولّت المقاومة التنسيق مع اليونيفل والجيش في كل صغيرة وكبيرة، وتم ضبط معادلات الردع – لا نصّ القرار 1701 – على طول الحدود البرية والبحرية والجوية.
ورغم الاستنفار الديبلوماسي الإسرائيلي – الأميركي عشية كلّ تجديد لقوات اليونيفل في مجلس الأمن وإصدار التوصيات الخاصة بتنفيذ القرار 1701، بقي الاهتمام اللبنانيّ دائماً ثانوياً لثقة المعنيّين بأن ما ترسيه المعادلات الميدانية أهمّ من نصوص القرارات الدولية. وحتى حين كانت تهرّب تعديلات على مهمّات اليونيفل في الأمم المتحدة كان حزب الله آخر من يهتم أو يسأل أو يلاحق.
اليوم، يمكن مراقبة التوازنات السياسية، الدولية والإقليمية والمحلية، في موقع يميل لمصلحة الحزب مقارنةً بما كان عليه الوضع عام 2006 في حال وضع القرار 1701 على الطاولة من جديد، أما التوازنات العسكرية الميدانية، فتغيّرت هي الأخرى لمصلحة المقاومة أيضاً، فيما لا تريد الدول المشاركة في اليونيفل الخروج عن مبدأ «التنسيق الفوري والمباشر بين اليونيفيل والمقاومة والجيش» في كل صغيرة وكبيرة.
وإذا كانت إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، عاجزةً عن إيجاد قوّات عربية أو تركية أو غيرها لتلعب دور حرس الحدود الإسرائيلي في غزة، فكيف الحال مع لبنان. فيما يؤكّد مطّلعون أنّ اللهجة التصعيدية الفرنسية فوق الطاولة تقابلها لهجة هادئة تحت الطاولة تؤكّد تطلّعهم إلى استمرار اليونيفل في القيام بعملها من دون أي تعديل أو تغيير ينتج منه أي شكل من أشكال التصادم مع الجنوبيّين.
وهذا ما يقود إلى القول إنّ ثمة حراكاً ديبلوماسياً لإيجاد مخرج للحكومة الإسرائيلية يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقول للداخل الإسرائيلي إنه ألزم حزب الله باحترام مندرجات القرار 1701، ولكن لا علاقة لذلك بأي خطوات عملية على الأرض. وخلافاً لما يُشاع عن جنون الحكومة الإسرائيلية بكل يمينيّيها، يقول أحد المطّلعين إنّ حكومة العدو تعرف جيداً، نوعاً وكمّاً، ما يملكه حزب الله في ترسانته الصاروخية وما هو قادر عليه، وتتصرّف بناءً على ذلك بعقلانية كبيرة، وهي إذا كانت تريد الحرب، فإنّها لا تستطيعها.
وعليه، يفهم الحزب جزءاً من الحراك الحاصل بشأن القرار 1701 بوصفه بحثاً مضطرداً عن حلّ لإسرائيل، ولكنّه لا يتخيّل أن تكون له أي تداعيات ميدانية على الأرض. إذ يرى الحزب أنّ إسرائيل لا تملك أيّ فرصة للتقدّم الميداني نحو الأراضي اللبنانية من دون تحمّل تبعات الحرب الشاملة التي ستُخسرها الكثير من النقاط في الحرب التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله.
لن تجد إسرائيل ضمن قوات اليونيفل من هو مستعدّ لخوض الحرب بالنيابة عنها. أما الحزب، فيختصر كل ما يمكن قوله بتأكيد أنه لن يقدّم هدايا مجانية، سواء لإسرائيل أو لغيرها. أما جوقة المطالبين بتنفيذ القرار 1701 وفقاً للتفسير والمصلحة الإسرائيليَّين، في الداخل والخارج، فيمكنها الاستمرار في معزوفتها بعيداً عن قواعد الاشتباك، فيما على المستوطنين أخذ العلم بأن الحدود المعلنة الرسمية المعبّدة بالكاميرات وأبراج المراقبة لم تعد تنفعهم، كما لم تنفع المنطقة العازلة مع غزة مستوطني الغلاف، فكيف الحال مع «مزحة الليطاني»، حيث لا يحتاج «العابرون» للانتقال من شمال النهر إلى جنوبه أكثر من بضع دقائق، في ظل جهل إسرائيليّ استخباراتي مطلق يحول دون معرفة أماكن تواجد المقاتلين في قوة الرضوان التي تحاول الحكومة الإسرائيلية إقناع ناخبيها بأنها ستعمل ديبلوماسياً أو عسكرياً لإبعادها إلى شمال الليطاني.