وأخيراً نفّذت إسرائيل تهديداتها وبدأت عملية التوغل البري الذي قد يتحوّل وفي أي لحظة إلى اجتياح بكل ما للكلمة من معنى، وهذا التوغل الذي يريده الأميركيون محدوداً، هذا على الأقل ما يعلنونه وليس كل ما يُعلن يُضمر، وكان العدو الإسرائيلي قد أعلن أن الهدف من التوغل هو القضاء على البنية التحتية والعسكرية لحزب لله، وإكمال القضاء على كل قادته تمهيداً لإزالته نهائياً من المعادلة اللبنانية والشرق أوسطية. إذن الدولة العبرية وكما فعلت في غزة تعلن عن أهداف قد يتطلب تحقيقها عدة أشهر إن لم نقل سنوات، وكما في المدة كذلك في المساحة التي قد تتوسّع طبقاً لتطورات الميدان ومدى سهولة أو صعوبة التوغل، مما يعني أننا اليوم أصبحنا أمام معادلة جديدة في لبنان هي أكبر من التوغل وأقل من الحرب الشاملة. وإذا كانت إسرائيل قد هيّأت لعمليتها الجديدة بتكثيف الغارات على حد سواء في الضاحية وعلى كامل تراب الوطن، ولا سيما الجنوب اللبناني الذي يشكّل المسرح الأوّلي لعملياتها البرية. والدولة العبرية تعتقد أنه وبُعيد اغتيال سيد المقاومة وقادة الحزب الرئيسيين، أصبح بإمكانها القيام بعملية برية معتمدة على عنصر الاحباط الذي قد يصيب الحزب نتيجة فقدان قيادته من جهة، ونتيجة شلّ حركة الاتصالات التي تأثرت وبدون أي شك بالاستهدافات الأخيرة، والتي أعادت الحزب إلى الجيل الأول من منظومة الاتصال وذلك بحسب رأي الاستخبارات الإسرائيلية، الشاباك والموساد ومعتمدة على داتا الاتصالات الذي وفّرها جهاز أمان.
إغتيال نصرالله
كان لافتاً ما قامت به إسرائيل باغتيال رمز المقاومة وقائدها سماحة السيد حسن نصرلله، هذا الاغتيال الذي يتطلب عدة أشهر وربما أكثر لفهم كيفية حدوثه والذي تكثر فيه التحليلات وتتضاءل فيه المعلومات. فكيف حدث هذا الاغتيال وكيف تم اختراق الصفوة من مرافقي السيد وقادته؟ وهل أن المقاومة فعلاً مخترقة وعلى أعلى المستويات؟ وهل صحيح أن هنالك دول قد باعت السيد؟ وفي هذا السياق يعيد البعض إلى الأذهان أكبر عملية خيانة في التاريخ، وهي عملية تسليم السيد المسيح والتي بيّنت أن أحد تلاميذه الإثني عشر هو من قام بذلك لقاء ثلاثين من الفضة. والغريب أنه وفي كلا الحالتين فالمجرم واحد، فمنذ فجر التاريخ الخيانة موجودة والعمالة موجودة، وهنا يُطرح السؤال الكبير «من سلم السيد؟». وبالرغم من التحليلات والإشاعات التي تدور حول دور ما لإيران الحليف الأكبر للحزب في عملية بيعه لصالح الأميركيين، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بذلك، فما هي مصلحة الإيرانيين باغتيال نصرلله؟ وهل إن خروج إيران من الدور الكبير الذي تلعبه في لبنان يوازي الاتفاق النووي الإيراني؟ وهل إن الأميركيين سيعيرون الإيرانيين انتباههم إذا ما جُردوا من الذراع العسكرية القوية لهم في لبنان؟
فما علاقة إيران باغتيال السيد؟
لقد ساعد الموقف الإيراني المتقلّب، والذي عبّر عنه نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف في حديث لـ CNN والذي نسب إليه قوله أن إيران ليست مستعدة للدفاع عن أحد، هذا التصريح الذي تمّت فبركته وتحويره من قبل الإسرائيليين، والذي أعطى نتنياهو الطمأنينة للأمر بتنفيذ عملية الاغتيال، كذلك ساعد عدم رد إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والذي برّره الإيرانيون لاحقاً أنه جاء نتيجة تطمينات من الأميركيين والأوروبيين بقرب التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة. فهل تم خداع الإيرانيين وهل إن إيران مخترقة من الداخل؟ أسئلة كبيرة لا يمكن لأحد الإجابة عليها في الوقت الراهن. ولكنها تبقى من عدّة الشغل الإسرائيلية التي تعمل على بث الإشاعات، بحيث أنه يختلط على الجميع التمييز بين الحقيقة والدجل.
أميركا إما مشاركة أو متعاونة ولكنها بالتأكيد مُصفّقة
لم يزل الموقف الأميركي الملتبس يحيّر متتبعي الأخبار من مختلف دول العالم، فأميركا تعلم ولا تعلم بعملية الاغتيال وهي باعتراف لويد أوستن وزير الدفاع أُبلغت في اللحظات الأخيرة، ولكنها صفّقت للعملية واعتبرتها انتصاراً لها، فالسيد بالنسبة لأميركا إرهابياً وقادته موجودون على لوائح المطلوبين للخارجية. كل ذلك لا يمنع أن القنابل الذكية قد تسلّمها الجيش الإسرائيلي خصيصاً للعملية وغيرها من الأسلحة، ناهيك عن العمل الذي تقوم به واشنطن لتبييض صورة نتنياهو، وكان لافتاً عملية دخول الأخير إلى قاعة الأمم المتحدة برفقة 80 مرافقاً غير مزودين ببطاقات مرور «Pass»، والذين جلسوا على مقاعد الزوار للتصفيق في الوقت الذي فرغت فيه القاعة من مختلف الوفود أثناء إلقاء نتنياهو كلمته.
الميدان هو الحكم
كل ذلك والنوايا والأهداف الإسرائيلية في مكان وتصميم مقاتلي الحزب على المواجهة في مكان آخر، فلمن تكون الغلبة؟ الميدان هو الحكم.