IMLebanon

مَن خَدع «حزب الله»؟

 

 

في مثل هذا اليوم من العام الفائت، أطلق «حزب الله» حرب المساندة لغزة. وطوال عام كامل، بقي يرفض وقفها مهما غلت التضحيات. واليوم، انتهت غزة إلى «الكارثة الكاملة»… وجرَّت معها الجنوب اللبناني.

هناك حروب يصعب إدراك الظروف والحيثيات الحقيقية التي أدّت إلى اندلاعها. ولا بدّ من مرور وقت طويل لكتابة روايتها الصحيحة في سجلات التاريخ. وقد مرّ اللبنانيون بعدد منها على مدى نصف قرن.

من الأمثلة الساخنة على ذلك، الحرب المزدوجة التي أطلقها العماد ميشال عون في العام 1989، ضدّ «القوات اللبنانية» والجيش السوري، تحت عنوان «التحرير والإلغاء»، والتي انتهت أيضاً بكارثة مزدوجة تذكّر بالكارثة الواقعة اليوم.
حينذاك، كانت هناك منطقة لبنانية وحيدة لم يبسط عليها السوريون نفوذهم هي «المنطقة الشرقية» أو المسيحية، وكانت تتمتع بقدرات كافية للصمود حتى تحين لحظة التسوية على المستوى الوطني. وكان يحتمي فيها لبنانيون كثر، من طوائف مختلفة، ينادون برفع الوصاية السورية.

أدّت الحرب التي أطلقها عون إلى دخول الجيش السوري وزارة الدفاع، وتحطيم مقومات «المنطقة الشرقية» وحدها دون سواها، فيما احتفظت الميليشيات الأخرى بقدراتها الكاملة. ودخل السوريون إلى هذه المنطقة بعدما نجحوا في الحصول على الرعاية الإقليمية والدولية، تحت شعار وقف الحرب وإدارة شؤون لبنان. فتمّ نفي عون نفسه وإبعاد الدكتور سمير جعجع وسائر القادة المسيحيين المعارضين لسوريا. وبدأت مرحلة الوصاية السورية الكاملة على السلطة في لبنان. والتاريخ، سيسجّل لعون أو عليه حقيقة النيات والحيثيات التي دفعته إلى إطلاق حربه الكارثية، على رغم أن نتائجها كانت معروفة مسبقاً.

وللمفارقة، قبل 5 أسابيع من اليوم، وفي مقابلة موجّهة خصوصاً إلى جمهور «حزب الله»، أطلق عون نداء إلى قيادة «الحزب» يدعوها إلى وقف حرب المساندة جنوباً وفك الارتباط بغزة، لأنّ لبنان لا يستطيع أن يتحمّل عواقب المواجهة مع إسرائيل. لكن عون شخصياً، في ظروف أخرى قبل 4 عقود، لم يتحسب لعواقب إشعاله الحرب مع سوريا، والتي انتهت بكارثة.

اليوم، بعد مرور عام على حرب غزة، بديهي طرح السؤال: هل إنّ حركة «حماس» نفّذت عملية «طوفان الأقصى» بقرار ذاتي أم إنّ هناك من دفعها إليها؟ ومن هو؟ وما هي أهدافه؟ وهل راجع هذا الطرف حسابات الربح والخسارة قبل إشعال الحرب؟ وفي أي حال، أين هو هذا الطرف لا يهرع إلى نجدة «حماس» جدّياً وإنقاذ غزة المدمّرة والمهزومة؟

توازياً، هل اتخذ «حزب الله» قراره ذاتياً بإشعال حرب المساندة لغزة، أم إنّ هناك من شجعه على ذلك ووعده بالدعم الذي يردع إسرائيل عن القيام بأي مغامرة مدمّرة له وللجنوب وللبنان؟ ومن هو هذا الطرف، ولماذا لم يهرع إلى نجدة «الحزب» الذي تعرّض خلال أسابيع قليلة لأشنع الضربات على مستوى القيادة والكوادر والمؤن والبيئة الحاضنة؟

طبعاً، منطقياً، الدعم منتظر من طرف واحد هو إيران. ولكن ما رشح عن طهران نفسها، قبل أيام، على لسان الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، في مقابلات مع الإعلام الأميركي، هو أنّ على «حزب الله» أن يتجنّب الانخراط في حرب كبيرة مع إسرائيل، لأنّها تتفوق عليه كثيراً بقدراتها العسكرية. وثمة كلام كثير تردّد عن تباين في المواقف بين طهران و»الحزب»، وفي داخل طهران نفسها، ولا يعرف مدى دقتها.

في مكان آخر، كثيراً ما عمد «الحزب» عبر إعلامه إلى تحميل الولايات المتحدة مسؤولية تجرّؤ إسرائيل على تنفيذ عمليتها الحالية، تحت عنوان أنّ موفدها عاموس هوكشتاين قدّم الوعود والضمانات بعدم تجاوز إسرائيل الخطوط الحمر في لبنان، أي عدم توسيع الحرب. ولكن، في الواقع، من الخطأ الرهان على واشنطن في هذا المجال، لسببين: الأول هو أنّ نتنياهو استطاع دفع إدارة بايدن إلى تغطية أعماله في غزة ولبنان، خصوصاً في لحظتها الانتخابية الحساسة. والثاني هو أنّ هوكشتاين نفسه، في جولاته الأخيرة في إسرائيل وبيروت، أطلق تحذيرات واضحة من أنّ واشنطن لم تعد قادرة على منع نتنياهو من القيام بمغامرة في لبنان. ولذلك، هو طلب من «الحزب» بإلحاح عدم إهدائه الذريعة التي يبحث عنها.

في أي حال، لا شيء يبدّل في السؤال الأساسي الذي يطرحه الجميع بعد عام من الحرب: إذا كانت قيادة «حزب الله»، زمن السيد حسن نصرالله، معروفة بدقة حساباتها، وبصبرها الاستراتيجي، فما الذي دفعها إلى التورط في حرب كان معروفاً أنّها ستشكّل مقتلاً؟ وهل تعرّضت فعلاً لخديعة كبيرة جداً ورطتها؟

هذا سؤال آخر، سيجيب عنه التاريخ ذات يوم.