IMLebanon

الصندوق السيادي”.. الإمرة لـ”المالية” أم “المركزي”؟

 

لا شك أن السياسة النفطية والغازية في لبنان هي عبارة عن رؤية جديدة تحتاج الكثير من التبصر والإدراك بعيد الأهداف. فهذه الثروة تخصنا وتخص الأجيال اللاحقة أكثر. من هنا، شكّل الإطار القانوني الصحيح البداية الفضلى لهذا النوع من السياسات والذي يدخل من ضمنه إنشاء صندوق سيادي كاستكمال للمنظومة النفطية التشريعية، إنفاذاً لما نص عليه قانون الموارد البترولية في المياه البحرية لناحية إيداع العائدات الناتجة عن النشاطات البترولية في صندوق سيادي. فـ«الصندوق» هو مصطلح تنظيمي قانوني توضع فيه أنواع مختلفة من الأصول الاستثمارية، معبّراً عنها بالأسهم أو السندات أو غير ذلك، بهدف استثمارها ضمن القواعد والأهداف التي تحكم عملية الاستثمار لهذا الصندوق. بعبارة أخرى، فإن «الصندوق» يُعتبرُ وعاءً استثمارياً تضع فيه الدولة الفائض لديها من الإيرادات المالية من أجل استثمارها في مجالات مختلفة ولآماد طويلة.

 

هذا الموضوع شديد الحساسية سيكون محور اجتماع اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المُشتركة التي تُعقد اليوم الأربعاء جلسة، برئاسة النائب ابراهيم كنعان، وهي ستناقش اقتراحاً تقدم به النائب ياسين جابر ووزير المالية علي حسن خليل في أيلول الماضي يضع الصندوق السيادي تحت وصاية وزارة المالية. وهنا نقطة اختلاف بين مختلف الأحزاب اللبنانية. فالبعض يريد الصندوق السيادي تحت وصاية المصرف المركزي ويبرر مطلبه هذا بثقة الخارج بهذه المؤسسة المستقلة. كما أن الاقتراح لا يذكر وجهة استفادة لبنان من واردات الصندوق السيادي.. فهل ستُستخدم لسدّ الدين العام أم في التنمية المستدامة وتطوير البنى التحتية.

 

نظام الصندوق السيادي تمت الإشارة إليه في المادة 3 من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية الذي حدد دور الصندوق السيادي في المحافظة على العائدات النفطية للأجيال المستقبلية. وقد نصت المادة 3 على أنه «يُحدد نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة، ووجهة استثمار العائدات وتوظيفها واستعمالها بموجب قانون خاص بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقاً لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنب الاقتصاد أي انعكاسات سلبية محتملة على المديين القصير والطويل».

 

وقالت مصادر رفيعة المستوى في القطاع النفطي، إن كل اللبنانيين يجمعون اليوم على وجوب إقرار صندوق سياسي، إلا أن هناك اختلافاً في التفاصيل، وهذا برسم النواب الذين سيخضعون الاقتراح الذي قدمه النائب ياسين جابر في أيلول 2017، إلى نقاش معمق. ولفتت المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها، إلى أن هناك وجهات نظر سياسية جوهرية تختلف عما اقترحه جابر، و«لكن لا بأس أن نبدأ من نقطة مُحددة».

 

من جهته، قال جابر خلال اتصال مع «المستقبل»، «إن اقتراح القانون هذا قُدم من فترة زمنية إلا أنه لم يُناقش كما يجب خلال تلك الحقبة مع إقرار الموازنة وإجراء الانتخابات، وقد تم تحويله إلى اللجنة الفرعية المشتركة، التي ستبدأ مناقشته بدءاً من يوم الأربعاء المقبل».

 

وأشار إلى أن الاقتراح المذكور يستند على التجربة النروجية في هذا المجال، والتي كان لها الأسبقية على هذا الصعيد، إضافة إلى أن الأهم هو المساهمة النروجية في لبنان على صعيد القطاع النفطي.

 

وقال «إن من أهم ما في الاقتراح المذكور هو أن يكون هناك نفط في لبنان»، موضحاً أنه قدم ثلاثة اقتراحات كسلة متكاملة في هذا الموضوع، وهي الشركة الوطنية بحيث تكون كل المنشآت النفطية تحت مظلتها، واقتراح مديرية للواردات النفطية والصندوق السيادي.

 

ولم يعطِ جابر وقتاً محدداً لإقرار المشروع المذكور، «لكن علينا أن ننتظر بداية ما سيُسفر عنه النقاش في الجلسة الأولى».

 

من جهته، قال الخبير النفطي ربيع ياغي، إن الصندوق سيكون بإمرة وزارة المالية وفقاً للاقتراح الذي يقع في نحو 40 صفحة، لافتاً إلى أنه سيكون هناك مجلس إدارة مستقل لإدارة الصندوق، على أن يقوم بالتنسيق مع مجلسي النواب والحكومة وكذلك وزارة المالية (الذي لن تكون له سلطة في اتخاذ القرارات الإدارية). كما ستكون هناك سلطة رقابية على الصندوق من قبل ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى أنه سيتم الاستعانة بشركات تدقيق عالمية لمراقبة المداخيل والصرفيات.

 

أضاف ياغي «إن مصرف لبنان المركزي، لن تكون له سلطة تنفيذية على الصندوق بل سيكون له دور استشاري، على غرار الصناديق السيادية الموجودة في النروج والسعودية والكويت».

 

وأكد أن الصندوق سيخضع لضوابط مُشددة تتعلق بالشفافية وكذلك بإبعاد شبح الفساد، وسوء الإدارة، وهذا بالطبع ما يعطي دوراً كبيراً لشركات التدقيق العالمية.

 

يُشار إلى أن كل المؤتمرات التي شهدها لبنان خلال العام 2016، حول المسألة النفطية، شددت على ضرورة إدارة الأموال (عائدات النفط) من خلالِ الصندوق السيادي، ودعت إلى تحييد هذا القطاع وكل الثروات عن المشاكل السياسية الداخلية وتجييرها لمصلحة الشعب اللبناني بأكمله.

 

قى أنه إذا ما خضعت هذه الموارد لسوء الإدارة، فقد يتفاقم الفساد، من هنا فإن اجتناب لعنة الموارد يجب أن يبدأ بإصلاح المؤسسات المالية للحرص على أن يخدم الصندوق السيادي التنمية المستدامة. كما من الضروري التأكيد أن تكون أصول الصندوق السيادي موجّهةً نحو النمو المستدام وليست متوفرة ككتلة نقدية بطريقة يمكن للدولة استعمالها كلّما استدعت الحاجة.

 

كما يبقى الأهم بالنسبة إلى المواطنين هو الشفافية، والتي لا ينبغي أن تكون تجلياتها فقط في الصندوق السيادي وإدارته، بل أن تنتقل إلى كل مفاصل العملية النفطية، خصوصاً أن الإجماع الذي كان مستعصياً أصبح ممكناً، لانخراط لبنان في ثورة نفطية من الممكن أن تقلب الأوضاع رأساً إلى عقب.. كل ما في الأمر الشفافية هي المطلوبة، فعمليات التنقيب ستبدأ في العام المقبل، وعلى لبنان أن يخوض السباق المحموم مع دول الجوار بكل شفافية..

 

إن عملية إنشاء صندوق سيادي مخصص للأجيال المقبلة وبإشراف وإدارة هيئة مستقلة، واجب أن ينظم وفقاً لقواعد مالية ورقابية حازمة، إذ إنه معروف تماماً أن النفط والغاز هي موارد غير مستجدة، ما يُوجب على الحكومة وحكماً، أن تدير عائداتها من هذا القطاع بفعالية عالية، والاهتمام بعملية استثمار الإيرادات بما يحقق أفضل النتائج التي توازن بين مصالح الأجيال الحالية والقادمة، خصوصاً في ظل ما يعانيه اقتصاد البلد من دين وافتقاره للبنى التحتية ولأغلب حاجات الصناعات النفطية.