بدأت عملية التنقيب في حقل “قانا” في البلوك 9 في آب المنصرم، كما المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد في البلوك 8 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان جنوباً، ولا تزال التساؤلات تُثار حول عمليات الإستكشاف في البلوكات الثمانية المتبقية، لا سيما بعد تمديد دورة التراخيص الثانية حتى 2 تشرين الأول المقبل، أي قبل صدور نتائج الحفر في البلوك 9، من دون الكشف عن إسم أي شركة مهتمّة بالأستثمار في أحد هذه البلوكات. كما لا يزال موضوع إقرار الصندوق السيادي لعائدات الثروة النفطية موضع جدل، بين مؤيّد لإنشائه حالياً ورافض لهذه الفكرة، لكي لا يتمّ صرف الرواتب على العاملين فيه قبل دخول أي قرش واحد من عائدات النفط اليه.
مصادر سياسية مطلعة على ملف النفط والغاز أكّدت بأنّه كان لا بدّ من التوصّل الى “إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” بوساطة أميركية والتوقيع عليها، لكي تتحرّر بعض البلوكات البحرية التي لديها نزاعات حدودية. ففي المنطقة البحرية للبنان ثمّة 6 بلوكات من أصل 10 بين الجنوب والغرب والشمال، أي بين لبنان والعدو الإسرائيلي وقبرص وسوريا موضع نزاع. وقد أزيلت المخاطر من البلوكات الحدودية مع “إسرائيل” (فلسطين المحتلّة)، فيما تحتاج البلوكات الأخرى الى متابعة العمل مع سوريا (لتحرير البلوكات 1 و2 و3 و5) من جهة، وقبرص و”إسرائيل” من جهة ثانية (البلوكان 8 و10) من أجلّ فضّ الخلاف حولها.. سيما وأنّ إتفاقية الترسيم البحري لم تأتِ على ذكر البلوك 10، مع تمسّك “إسرائيل” بما يسمّى “خطّ العوّامات” أو “خطّ الطفّافات”. ويستمرّ العمل اليوم في البلوك 9 من قبل منصّة الحفر “ترانس أوشن بارنتس”، ويجري مسح البلوك 8 ليُصار الى تلزيمه لاحقاً، بعد صدور نتائج المسح، فيما ينتظر البلوك 10 إجراء المسح له أيضاً.
وبما أنّه من غير الجائز أن يكون أكثر من 60 الى 70 % من البحر اللبناني حوله علامات إستفهام، وفق ما أوضحت المصادر، فإنّ جذب الشركات الإستثمارية يُصبح أكثر صعوبة. وحتى لو وجدت الشركات مكمن معيّن في أحد البلوكات المتنازع عليها، فهي تُفضّل عدم المجيء الى منطقة متنازع عليها، والذهاب الى منطقة يسود فيها الأمان. من هنا، فإنّ الحفاظ على الإستقرار في المنطقة الجنوبية حتى بعد اتفاقية الترسيم، من شأنه المساعدة على جذب الشركات النفطية للمجيء بغية التنقيب والإستكشاف في البلوكات المتبقية في المرحلة المقبلة، على أن يترافق ذلك مع “تحرير” البلوكات، رغم عدم سهولة هذا الأمر. ومن هنا أهمية التقدّم الى دورة التراخيص الثانية التي مُدّد تقديم طلبات الإشتراك فيها الى 2 تشرين الأول المقبل. علماً بأنّ “كونسورتيوم” الشركات قد يكون مهتمّاً بالتنقيب والإستكشاف في البلوكين 8 و10 ، لا سيما إذا أتت نتيجة الحفر الأولية في البلوك 9 جيّدة وواعدة.
فمن الجهة الشمالية لم يدخل لبنان في نقاش وحوار مع سوريا حول بلوكاته 1 و2، بسبب الظروف الأمنية والسياسية المعروفة. وهو أمر من شأنه عدم تحفيز الشركات النفطية العالمية، في حين أنّ السوري قام بتلزيم شركة روسية بين عامي 2021 و2022 في المناطق المحاذية للمياه اللبنانية. ولهذا لا بدّ اليوم من تحريك هذا الملف من ضمن الملفات الأخرى التي يُعمل على بحثها مع النظام، وعلى رأسها ملف النازحين السوريين والمتسلّلين الجدد. في الوقت نفسه ماطل “الإسرائيلي” نحو 13 سنة، على ما تابعت المصادر، واستفاد من الخطأ الذي ارتكبه لبنان مع قبرص، فسارع الى رسم الخط 1، وخلق منطقة نزاع بمساحة 860 كلم، ما أدخل لبنان في مفاوضات طويلة انتهت باتفاقية الترسيم البحري في 27 تشرين الأول الماضي. فيما لا بدّ اليوم بالتالي من إنهاء الترسيم مع قبرص لتحرير البلوكات المحاذية لها.
ويهمّ لبنان دخول شركات نفطية أخرى للتنقيب في بحره، على ما أضافت المصادر نفسها، في المرحلة المقبلة، ما يجعل عمليات الحفر تسير بالتوازي. ولهذا يُعوّل على تقدّم شركات جديدة الى دورة التراخيص الثانية، لا أن تقتصر على الشركات الثلاث المهتمّة حالياً. وينصبّ اهتمام الشركات الدولية، بحسب المعلومات، حالياً على حقول نفطية في دول أخرى لا نزاعات حدودية في مياهها. علماً بأنّه في حال أتت نتائج التنقيب في البلوك 9 جيّدة، وأشارت الى وجود كميات تجارية ضخمة من الغاز والنفط فيه، فمن شأن هذا المُعطى الجديد، جذب الشركات التي تصبّ إهتماماتها في المياه البحرية لدول أخرى.
وفيما يتعلّق بالصندوق السيادي لعائدات النفط، والذي لا يزال الجدل دائراً حول إنشائه وتسييره أو أنّ الوقت لا يزال مبكراً على هذا الأمر، فشرحت المصادر بأنّ اقتراح القانون أقرّ في اللجنة وأُحيل الى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، غير أنّه يُمكن للبنان اليوم الإنتظار لبعض الوقت الى حين معرفة حجم الثروة، التي يُمكن أن يجنيها من التنقيب في البلوك 9 كمرحلة أولى. عندها، فإنّ المحافِظ الإستثمارية التي ستُقرّ في الصندوق تأتي أكثر تعبيراً عن حجم التدفّقات المالية خلال السنوات المقبلة. من هنا، يُمكن التريّث قليلاً لمعرفة إذا كان هناك إكتشافات نفطية. علماً بأنّ مساره في الهيئة سيكون طويلاً ولا يزال يستلزم نقاشات عدّة قبل إقراره.
وفي الوقت نفسه، أشارت المصادر عينها الى أنّه كان هناك فَهِم بعمق من قبل النوّاب للهدف الفعلي من إنشاء هذا الصندوق، ألا وهو أولاً تحويل الثروة التي هي تحت الأرض الى ثروة مستدامة فوق الأرض. لهذا هذه المحافِظ الإستثمارية تهدف الى المحافظة على قيمة هذه الأموال، وتعظيمها مع الوقت لعدم خسارة رأس المال. وثانياً، بالنسبة للمبدأ الثاني الذي اُقرّ والتُزم به، وهو أمر مهمّ، لا سيما وأنّه كان هناك خبير نروجي عرض أفكاره، وهو مساعِد لـ 23 صندوقا سياديا في العالم، عن أنّ مداخيل النفط والغاز في لبنان تتغيّر كثيراً من سنة الى أخرى، بسبب صعود وهبوط الأسعار. ولهذا فإذا كانت هذه الأموال ستُضخّ في الموازنة ستخلق نوعاً من عدم الإستقرار في النمط الإقتصادي وفي موازنة الدولة. من هنا، اقترح وضع طريقة للصرف تستطيع دعم الإقتصاد في فترات الركود، وتخفف استثمار الإقتصاد في فترات النهوض، لكي يكون لدينا نمّو إقتصادي مستدام، بشكل أن يُشكّل الصندوق نوعاً من عنصر للتخفيف من وطأة الإنهيارات ويُساعد على التطوّر.