ربع قرن مرَّ على إنشاء وزارة البيئة في لبنان، ومن علامات إنشائها بداية الوعي الى التأثيرات السلبية لمضاعفات التلوّث التي كانت بدأت تجتاح العالم، خضعت قوانين وزارة البيئة لعدة تعديلات أبرزها في العاشر من نيسان من العام 2002، حدّد مجلس النواب اللبناني مهمة وزارة البيئة وتنظيمها… ستة عشر عاماً مرَّت على هذه المهمة وهذا التنظيم الجديدين، فماذا بقي منهما؟
حدّدت المادة الثانية من النص بماذا تُعنى وزارة البيئة، ليتبيَّن أنَّها مسؤولة عن 27 مهمة استراتيجية تُعنى بالبلد والانسان فيه، ومن أبرز هذه المهام:
– إعداد تشريعات تحدّد المسؤوليات والعقوبات وأصول ضبط الجرائم التي تلحق ضرراً بالبيئة وإستدامة الموارد الطبيعية بالتعاون مع الجهات المعنية.
– تحديد الشروط البيئية لإنشاء وإستثمار حدائق ومنتزهات ومسابح عامة ومدافن.
– تحديد الشروط البيئية لحماية الشواطىء البحرية ومجاري الأنهر والينابيع والبحيرات والمستنقعات والأودية بما يضمن سلامة البيئة وإستدامة الموارد الطبيعية.
– تحديد المواد الكيميائية التي تعرّض سلامة البيئة وإستدامة الموارد الطبيعية للخطر وتحديد شروط إستيرادها وإستعمالها والتخلّص منها بالتعاون مع الجهات المعنية.
– إجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية الدورية لتحديد نسب تلوّث الهواء والتربة والمياه وإقتراح ومتابعة تنفيذ التدابير البيئية المتخذة من الجهات المعنية.
إنطلاقاً من هذه المهام تكون وزارة البيئة وزارة سيادية بامتياز، لأنَّها مسؤولة عن كل الأراضي اللبنانية ومعنية بكل القطاعات اللبنانية، فهل الذين سيتسلمونها يعرفون هذه المسؤوليات؟
وإنطلاقاً من عيّنات من هذه المهام، ومقارنة بما تقوم به وزارة البيئة، يستنتج أنَّ هذه الوزارة مهمَلة من الدولة ومهمِلة لحقوق وصحة الشعب اللبناني، فلو أنَّ كل هذه المهام منجزة لما كنا نشهد هذه المجزرة البيئية في كل لبنان:
من النفايات الى التلوث الى الاوبئة:
فما نتنشقه من هواء ملوّث، وما نشربه من مياه ملوّث، وما نأكله من خضار وفواكه ملوّث.
هذا ليس كلاماً في الهواء، إنَّ مَن سيتسلَّم وزارة البيئة يجب أن يكون شخصية صارمة، عارفة، متابعة، تعمل ميدانياً وليس وراء المكاتب، تتخذ الإجراءات ولا تساير… لم يكن التعاطي يوماً مع وزارة البيئة إلا باستخفاف ورفض لها واعتبارها وزارة هامشية، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، إنها وزارة سياديّة بامتياز لأنَّها مسؤولة عن كلِّ القطاعات من دون استثناء، أما الأبرز في هذه المهام فهي النفايات التي تستدعي جبلاً من الأسئلة، ومنها:
أين تذهب نفايات المستشفيات التي هي من أخطر أنواع النفايات لأنها تحتوي على فضلات الأدوية؟
هل يدرك المعنيون أنَّ بعض المعنيين يعمد الى حرقها بين المنازل وفي الأماكن الآهلة ما يؤدي في حال تنشّق دخانها الى أمراض مستعصية؟
ماذا عن طمرها لاحقاً حيث تتسرّب الى مياه الآبار والينابيع ولاحقاً الأنهر التي يتم الري بها؟
أين تذهب نفايات المسالخ مع كل أوبئتها؟
وكيف تتم عملية طمرها؟
وماذا بعد الطمر؟
أين تذهب نفايات المعامل؟
تربتنا وفضاؤنا ومياهنا وبحرنا، أمام مجزرة واحدة هي التلوّث، وبداية المعالجة لا تكون إلاّ بوزارة بيئة بأهمية كل الوزارات، وإلا يكون البلد تحت احتلال التلوّث، وعندها من العبث الحديث عن سيادة.