Site icon IMLebanon

السيادة المصادرة!

 

 

بدعة شلّ المؤسّسات وتعطيلها منافية للدستور والقوانين… والأخلاق. أن تكون البلاد على شفير الهاوية وتحتاج في كل لحظة إلى حكومة فاعلة وقادرة على تعويض الوقت الفائت الذي تدهورت فيه الأوضاع الإقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة ومع ذلك لا يُسمح بإنعقادها ففي ذلك ما يتجاوز التكتيك في اللعبة السياسيّة ويومياتها القذرة.

 

ثمّة سوابق سُجلت خلال الأعوام المنصرمة أكدّت أن خيار التعطيل المؤسساتي لا يعدو كونه إنعكاساً لفائض القوّة الذي يتمتّع به هذا الطرف أو ذاك. وليست مجرّد مصادفة أن يكون الفريق المعطل هو ذاته في كل مرّة، لأنه إستساغ خرق الدستور الذي لا يعترف بوجوده إلا إذا كانت أحكامه تتلاءم مع مصلحته السياسيّة الفئويّة الآنيّة المباشرة.

 

يكاد عدد أشهر التعطيل والشلل يفوق عدد أشهر العمل والانتاج. سياسة المناكفات والتجاذبات السياسيّة لا يمكن أن تكون خياراً متبعاً بشكل دائم. إنها خيار مدمر للمؤسسات وللبلد برمته. في كل مرة تطرأ أمور لا تناسب هذا الطرف السياسي، ينبري إلى تعطيل المؤسسات الدستوريّة تارة من خلال منعها من الانعقاد، وطوراً من خلال سحب الوزراء والاستفادة من أفضليّة الثلث المعطل، وهو أيضاً من البدع السياسيّة التي كُرّست بعد إتفاق الدوحة.

 

بعض القوى اللبنانيّة تهوى الصعود على الشجرة والصراخ من أعلاها، وعلى القوى الأخرى أن تبحث لها عن مخارج للنزول، أو أنّها تفرض إراداتها بكل بساطة وتمنع تمرير أي قرار أو تنفيذ أي خطوة لا تصب في مصلحتها أو تحقق الغاية التي من أجلها صعدت إلى الشجرة.

 

رويداً رويداً، أصبحت هذه السياسة هي الخيار المعتمد لتطويع إرادة سائر القوى السياسيّة اللبنانيّة الأخرى، ودفعها نحو القبول والرضوخ بما تسعى إلى فرضه أطراف القوّة الفائضة التي لها حساباتها وإمتداداتها وخياراتها وأجنداتها الخاصة التي هي، بطبيعة الحال، على طرفي نقيض مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة.

 

المشكلة صارت أعمق من مجرّد خلافات على تفسير الدستور أو تأويله بما يفيد هذا الطرف أو ذاك. الأزمة هي أزمة إختلال في موازين القوى، وضعف شديد في إمكانيّة تقويم إعوجاجه. إنها المغامرات السياسيّة والأمنيّة ذاتها التي تعيد فرض نفسها على الواقع القائم فتجرّ البلاد معها إلى الارتطام الكبير وربما إلى الانفجار الكبير أسوة بما حصل عند إندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة سنة 1975 مع كل ما رافقها من تعقيدات محليّة وإقليميّة ودوليّة.

 

ألم يحن الوقت للتعلم من دروس الماضي وإستخلاص العبر؟ ألم يحن الوقت لتدرك الأطراف “القويّة” أن سياسة الالغاء والتهميش والإقصاء لا تعدو كونها سياسة عقاب مرحلي سرعان ما ترتد على أصحابها وتخفق في تحقيق أهدافهم ومن ثم تدفع البلاد نحو الهاوية والانفجار؟ هل على اللبنانيين أن يتعلموا في كل مرّة بعد أن يسددوا الأثمان الباهظة والتكاليف المرتفعة؟

 

لقد فقد لبنان تدريجيّاً كل ميزاته التفاضليّة: من المستشفى إلى الجامعة إلى الخدمات الماليّة والمصرفيّة إلى السياحة وسائر العناوين الأخرى. صحيحٌ أن النمط الاقتصادي اللبناني القديم إفتقد إلى العدالة الاجتماعيّة وساهم في تهميش الأرياف وإفقارها، ولكن إستبداله يكون بتطويره لإقفال تلك المنافذ والعيوب، وليس من خلال تطييره بشكل كامل ورميه خارج حركة التاريخ والجغرافيا.

 

إن التدهور المتواصل على كل المستويات بات يتطلب تغييراً نوعيّأً في الرؤى والمقاربات بما يتيح الخروج من عنق الزجاجة من دون القفز إلى قلب أخرى. وهذا لن يتحقق طالما السيادة مصادرة والقرار الوطني اللبناني مختطف!