تيار المستقبل وحزب الله يتبادلان الاستغراب: كل طرف يستغرب سرعة الطرف الآخر في اطلاق الرصاص السياسي عليه بين جولة وأخرى من الحوار. وكل طرف يعرف أن المستغرب هو الاستغراب، والتصرف كأن تبادل الكلام العنيف صاعقة في سماء صافية. فالمعادلة بينهما هي: لا شيء يؤثر على الحوار، ولا تأثير للحوار على القرار في المواقف الأساسية. والواقع أن السجال جزء من الحوار وبالعكس. وقياساً على مبدأ كلاوزفيتز القائل إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فإن من الممكن القول إن السجال هو استمرار للحوار بوسائل أخرى وبالعكس. أليس ما يراه كثيرون انجازاً يدعو الى الارتياح في الجولة الثامنة من الحوار هو اعادة التأكيد على جدية الحوار واستمراره بعد عاصفة السجال؟
ذلك ان الحوار له وظيفة، والسجال هو وظيفة ما دام التساكن مفروضاً في الحكومة بقوة الخوف الخارجي على الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان وقوة الخوف الداخلي من الفراغ الكامل في السلطة. وظيفة الحوار الذي يقتصر المحاورون في جلساته على ثلاثة من كل طرف مع العين الساهرة للرئيس نبيه بري محددة بأمرين: تخفيف الاحتقان المذهبي، والبحث ملء الشغور الرئاسي، مع التذكير بأن الجميع في حكومة ربط نزاع. ووظيفة السجال المفتوح لكي ينخرط فيه أكبر عدد من القيادات والكادرات والوزراء والنواب المنتمين الى قوى ٨ آذار وقوى ١٤ آذار، هي التذكير اليومي بما في أساس النزاع المربوط.
والنزاع جوهري وعميق حيث الخلاف على ما يتصل بالأصول، لا الفروع. لا بل ان البعض يراه أحياناً نوعاً من الصدام الايديولوجي، ويضعه في خانة الاصطفاف الاستراتيجي. فالكلام السائد يدور على الصراع بين مشروعين لتركيب نظام اقليمي للمنطقة باشراف دولي.
حزب الله يقول بلسان الامين العام السيد حسن نصرالله إن من يريد أن يقرر مصير لبنان يجب أن يكون حاضراً في مصير المنطقة. وهو يضع مشاركته في حرب سوريا وحرب العراق في اطار حماية لبنان وانخراطه في تقرير مصير المنطقة ضمن محور الممانعة، وبالتالي فإنه يرفض وضع هذا الموضوع على جدول الأعمال في الحوار. وتيار المستقبل يرى أن الذهاب الى حرب سوريا وحرب العراق توريط للبنان في مخاطر أكثر منه، ويحذر من خطر الانخراط في المشروع الايراني الذي لم يعد المسؤولون في طهران يكتمون المفاخرة باتساعه، وبالتالي فإنه لا يستطيع السكوت بصرف النظر عما يحدث في الحوار.
وطرفا الحوار يعرفان أن الاحتقان المذهبي ليس مرتبطاً بالدين وشعائره بل بالسياسة والخلافات فيها. والسؤال هو: الى أي حد يمكن تخفيف الاحتقان من دون تخفيف الصراع السياسي؟ والجواب مكتوب على الجدار.