IMLebanon

الكلام الخطأ  في التوقيت الخطأ

التهديد بالنزول الى الشارع، مظهر ضعف أكثر منه مظهر قوة، ودليل هشاشة المنطق، وليس مؤشراً على قوة الحجة، والتظاهرات في الشوارع تقوم لغرض فرض مطالب تتهرّب السلطة المعنية من اقرارها، ولكن نادراً ما شهدت ساحات لبنان وشوارعه، تظاهرات ضاغطة على السلطة، من جانب شركاء في الحكم والسلطة، كحالة التيار الوطني الحر، الذي يجيّش بيئته السياسية والطائفية للتحرك في الشارع، كي تستجيب الحكومة التي هو جزء منها لمطالب فردية محددة، يحاول إلباسها رداء حقوق الطائفة أو المذهب.

وليست هذه المرة الأولى يلعب فيها العماد عون دور الجملة الاعتراضية في سطور تشكيل الحكومات منذ ترأس الحكومة العسكرية المختصرة عام ١٩٨٨، دائما كانت هناك عقدة واعتراض ان لم يكن على عدد الحقائب الوزارية، فعلى نوعيتها فضلاً عن اختيار أسماء الوزراء، حتى بلغنا محطة رئاسة الجمهورية، التي توقفت عندها الحياة السياسية السليمة منذ سنة وشهرين، ولا تزال، لأن هناك من يعتبر نفسه المؤهل الوحيد للموقع، لكنه يرفض خوض الغمار إلاّ منفرداً، أي من دون منافس، وإلاّ كان اقتراعه بالورقة البيضاء، كما حصل ذات يوم، ولم يتكرر…

البعض يتساءل، كالرئيس الجديد لحزب الكتائب سامي الجميّل، عن غياب الحياء لدى بعض الناس الذين يخترعون لنا الحجج والمبادرات الوهمية.

والراهن ان تعدد الذرائع والحجج، لاستجلاب المنافع السياسية والسلطوية، بات منطوياً على أبعد من ظواهره النفعية في السلطة، فالذي يريد حصة في الادارة أو الجيش أو حقاً له يتصوّر انه مقدّس، لا يقتل هذه السلطة، ولا حتى يشلّها، بل أمامه النضال السياسي بمختلف وجوهه، لا أن يذهب به شغفه للسلطة، الى حد اللجوء للمعادلة الشمشونية…

غضبة التيار على الرئيس تمام سلام انه تخطى رغباته وشروطه لاستئناف جلسات مجلس الوزراء، من دون التشاور معه. وبالتالي من دون اظهار أي تجاوب مع تطلعاته الى تعيين قائد للجيش قبل أي قرار آخر.

بيد ان الرئيس سلام قارن بين الوزراء دعاة تعيين قائد الجيش أولاً قبل أي انتاج حكومي آخر وعددهم ستة وبين دعاة عدم المسّ بموقع قائد الجيش، قبل انتهاء ولاية العماد قهوجي في أيلول، وعددهم ١٨ وزيرا، ووقف الى جانب الأكثرية المحقة برفضها مقاربة موقع القائد قبل حلول موعد تسريحه…

ويضاف الى الأكثرية الوزارية، هناك أكثرية اقليمية مغطاة دوليا ومشحونة سياسيا، كانت رسالتها واضحة: حافظوا على الحكومة واحفظوا الاستقرار، ولا تتطلعوا الى غير الأمام… فالمطلوب تأمين مرافق الدولة ريثما تنفخت طبول الحرب ويتفرق المتحاربون.

الاوساط المتابعة ترى ان الاصرار على تعيين قائد للجيش، قبل نهاية ولاية القائد قهوجي، قد يكون هدفه الاقرار بالأحقية، أو الحصول على وعد ثابت، من وجهة نظر المطالبين بالتعيين، لكن يظهر للناظر في جوانب صورة الحملة، الكثير من الردود على مواقف قائد الجيش العاقلة والمدروسة، المتمثلة برفضه الانجرار الى حفرة التنسيق مع المتورطين في الحرب السورية.

في شباط ١٩٩٢ اعتدت اسرائيل على قرى كفرا وياطر وجوارهما، بقصد تهجير الاهالي، ضغطاً على الحكومة الغاضة النظر عن حزب الله… يومها سئل الرئيس نبيه بري عما اذا كانت المعاهدة الامنية اللبنانية – السورية تجيز للبنان طلب مساعدة سوريا اذا ما تطور العدوان الاسرائيلي، فأجاب: بالتأكيد، فأمن لبنان من أمن سوريا، وعندما تطلب الحكومة اللبنانية… لكن الامور لا اعتقد انها وصلت الى هذه الدرجة…

والمؤكد انه ما من مرة طلبت حكومة لبنان تنفيذ المعاهدة الامنية مع سوريا، لا قبل ان تصبح مكتوبة على الورق، ولا بعدما اصبحت، لا عام ١٩٩٢ ولا عام ١٩٩٦، ولا حتى في العام ألفين وصولا الى العام ٢٠٠٦. مرتان طلبت السلطة اللبنانية الحكومية او السياسية نجدة سوريا، وفي كل مرة للتخلص من الصراعات الدموية المفتعلة بين حلفائها في لبنان.

الاوساط عينها ترى فيما قيل ويقال عن الحكومة والتهديدات المتعددة الوسائل، التي يلوحون بها عليها، كلاما خطأ في التوقيت الخطأ… فلبنان على ابواب تغييرات اقليمية مجهولة المدى والاتساع، والدول قريبها والبعيد، تحثنا على التشبث بزمام آخر السلالات الدستورية المهددة بالانقراض أو الغرق في بحر التعطيل أو الشغور، ومع ذلك نجد من لا يخالجه القلق وهو يضع الآخرين امام احتمالين إما أن يسلموه دفة سفينة الحكم أو يوجهوها نحو صخور الشاطئ…