سيقال الكثير في الأيام القليلة المقبلة حول التكليف والتأليف. وكالعادة تتنوع الآراء والاجتهادات في شأنهما، بصرف النظر عما في السرائر والنيات. والأنظار كلها في السياسة والإعلام – بعد أن تشبعت بالنظر الى قصر بعبدا – تتجه الآن الى عين التينة، في محاولة مسبقة لمعرفة ما سيكون عليه موقف الرئيس نبيه بري، في هذه المرحلة المفصلية من العهد الجديد، الذي منذ أيامه الاولى، بدأت تتردد أصداؤه العربية والإقليمية والدولية سريعاً جداً، بما لا يمكن الا التوقف ملياً عند ايحاءاتها…
لا داعي للإستهانة بالتطور المثير الذي طرأ في لبنان وعليه، من انعطافة مفاجئة وحارة نحو التسوية والمصالحة المرحلية التي تقود الى عكس المسار، من الشغور الى الإمتلاء الرئاسي. كان لبنان في التاريخ الحديث، أكثر من مؤشر، وأكثر من حقل اختبار، وأكثر من نموذج… وكأن ما يجري فيه وعليه في مرحلة من المراحل هو مقدمة لما سيجري في عمقه العربي والاقليمي… وهكذا كانت الحرب الداخلية ١٩٧٥ – ١٩٨٩ في لبنان، مقدمة للحروب الراهنة في المنطقة مع اطلالة ما يسمى ب الربيع العربي الذي سبقه الربيع اللبناني! فلماذا لا تكون انعطافة التسوية اللبنانية هي المقدمة الطبيعية للتسويات عربياً وإقليمياً!
قبل ولادة العهد الجديد، ولدت روح العهد الجديد التي تجلّت في الحاضنة البرلمانية الطبيعية، وعلى يدي القابلة القانونية والشرعية التي اخرجت المولود، وحملته بيدها، وضربته على قفاه بلطف حتى يطلق صرخة الحياة! روح العهد الجديد حملت نبض التسوية والمصالحة بشيء من التسامح والتضحية. ومثاله في جلسة الانتخاب الرئاسي كان الرئيس بري قائد الايقاع والنبض من جهة، وحارس الأبواب المغلقة لمنع تسرب النصاب من جهة ثانية، والمبشر بالحدث السعيد ثالثاً وأخيراً، فولد العهد الجديد على يدي بري وفقاً لمقولة ٣ بواحد!
حرص الرئيس بري، بالتناغم مع تفاهمات سابقة، على تسريع ولادة العهد الجديد بسلاسة وأمان. وقد تحقق الأمان وان تعثرت السلاسة قليلاً عبر جولات الاقتراع المتكررة، ولكن دون ان تشكّل خطراً على الولادة والمولود، وان حملت بعض الموحيات المفيدة وغير الضارّة! وفي المسار الطويل للرئيس بري تصرف دائماً -أو غالباً – بوحي ان السياسة شيء والمسؤولية الوطنية شيء آخر، من منطلق أن السياسة هي أولاً وأخيراً في خدمة المسؤولية الوطنية.
وبوحي هذه القاعدة الذهبية فإن سلوك الرئيس بري في توليد العهد الجديد سيكون مماثلاً لسلوكه في توليد الحكومة الأولى في العهد الجديد، ولكن…
… ولكن لكل ولادة حاضنتها وشروطها التي تتيح الولادة الميسرة دون ألم ولا أوجاع! وسياسة المسؤولية الوطنية ليست حدثاً يقاس بالمفرد، وإنما يقاس بالمثنى او حتى بالجمع، اي انه يحتاج الى طرفين أو أكثر. وكما ان الرئيس بري معروف بصلابته في ممارسة مسؤوليته الوطنية، فهو بالصلابة نفسها في مواجهة من يحاول تجاوزها. ومن علامة عمله على تسريع ولادة الحكومة انه حجز دوراً له في آخر الاستشارات الملزمة وليس في أولها، ليوفر الوقت والحضور ثلاث مرات خلال الاستشارات… ومرة أخرى ٣ بواحد!
عفواً… هل كثير على اللبنانيين ان يتفاءلوا بالخير فيجدوه، ويكون الرئيس نبيه بري هو الأيقونة المتوهجة للعهد الجديد؟!