إذا جُمِعَت «إقطاعيات» أحمد الأسعد ثم نجله كامل الأسعد، مع «إقطاعيات» صبري حماده، ثم مع عادل عسيران وحسين الحسيني، فهل تشكِّل جميعها «ساقية» في نهر «الأستاذ»؟ هذا النهر الدافق منذ واحد وثلاثين عاماً؟
لماذا استحضار هذا الكلام اليوم؟
أمس مرَّت الذكرى الحادية والأربعين لانتخاب الرئيس بشير الجميِّل، لكل رئيس مجلس نيابي «بصمة» في رئاسته أو في ولايته، «بصمة» الرئيس كامل الأسعد أنّه أمَّن جلسة انتخاب الرئيس بشير الجميل. وبلغةِ اليوم، لو أراد الرئيس الأسعد تعطيل الجلسة، لكان بإمكانه تطبيق الأمر بسهولة، فكان قادراً على عدم الدعوة إلى جلسة، وكان قادراً على تطيير النصاب بعد دورة الإقتراع الأولى، وكان بإمكانه اشتراط الحوار قبل جلسة الإنتخاب. الرئيس الأسعد لم يكن «مستنبِط أرانب» يسحبها من «كمِّ» سترته، الواحد تلو الآخر، للتعطيل، بل كان يُدرِك بحدْسِه الوطني أنّ الفراغ في سدَّة الرئاسة هو أخطر من الحروب والاجتياحات لأنّه يكشف البلد على كل الاحتمالات، وهذا ما ثبُت لاحقاً في سنوات 1988 و2007 و2016 واليوم.
«بصمةُ» الرئيس حسين الحسيني تتجلى في أنّه أمَّن انتخاب الرئيس رينيه معوَّض، كان بإمكانه أيضاً، بلغةِ اليوم، عدم الدعوة إلى جلسة، هذا عدا عن «بصمات» كثيرة للرئيس الحسيني لعل أبرزها: جلسة التصويت على إلغاء «اتفاق القاهرة»، وجلسة قانون عدم بيع الذهب إلا بقانون يصدر عن مجلس النواب، ولعل «البصمة الكبرى» تظهر في دوره في «اتفاق الطائف».
للسابقين «بصمات»، ولكن رئيس مجلس النواب الحالي لم يكتفِ بأن يضع «بصمة» بل أن يضع «يده» بكاملها على مجلس النواب، ليس للإنجاز بل للتعطيل. أولى مآثره في هذا المجال كانت حين أقفل مجلس النواب لأحد عشر شهراً، ولم تنفع كل محاولات دفعه إلى فتح أبوابه. وبالتكافل والتضامن مع شريكه في الثنائي، «حزب الله»، عطّل المجلس لسنتين ونصف السنة، إلى حين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
«إقطاعية» الرئيس نبيه بري في رئاسة مجلس النواب، التي لم يسبقه إليها أحد، والتي تجاوز فيها كل الإقطاعيات السابقة، أحدثت خللاً عضوياً في نظام الطائف، لم يعد هناك فصل فعلي بين السلطات، أصبحت رئاسة السلطة التشريعية، وليست السلطة التشريعية، هي فوق السلطات، و»شريكاً مضارباً»، فلم تعد تقوم بدورها في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومساءلتها ومحاسبتها، بل أصبحت جزءاً منها سواء في تشكيل الحكومة أو في تعيينات الفئة الأولى، لا بل تعيينات كل الفئات.
ولعل الإقطاعية الأبرز التي لم يسبق أحدٌ الرئيس بري اليها، هي «الإقطاعية الزمنية»، لم يمكث أحدٌ على رأس السلطة التشريعية المدة التي أمضاها، ولا يزال، الرئيس نبيه بري، واحدٌ وثلاثون عاماً، كرّسها لإدخال حركة «أمل» إلى الدولة، وهذا ما لم يفعله أحدٌ قبله، لا في السلطة التشريعية ولا في السلطة التنفيذية، وبهذا المعنى كان هو «السيّد»على الدولة، بالإضافة إلى لقبه الأول «الأستاذ».
لمن ستكون البصمة التالية؟ هنا اللغز الأكبر، خصوصاً أنّ الطائف «المعدّل جينياً»، وضع كل السلطات في عين التينة.