IMLebanon

مرسوم العفو الخاص “طائفي بامتياز”

 

جمعية لجان أهالي المساجين تناشد:

 

 

أعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم أنها بصدد دراسة مشروع عفو خاص سيصدر لاحقاً بمرسوم خاص عن رئيس الجمهورية، بناءً على صلاحيته الدستورية، ليشمل مئات المحكومين الذين شارفت مدة محكوميتهم على الإنتهاء في إطار الجهود المبذولة للحد من انتشار فيروس كورونا، وفي ظل تحذيرات متزايدة تطلقها جهات صحية وحقوقية من مغبة انتشار الفيروس في السجون التي تفتقر إلى الإجراءات الصحية. إلا أن هذا المشروع لاقى اعتراضاً لدى جمعية لجان المساجين التي اعتبرته “طائفياً بامتياز”.

 

في الأسابيع الأخيرة، نفذ أهالي السجناء بالتعاون مع لجنة العفو العام سلسلة تحركات احتجاجية طالبت الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة، لتعزيز حماية نزلاء المؤسسات السجنية والإصلاحية من انتشار فيروس كورونا، وإقرار مشروع قانون العفو العام المنتظر منذ سنوات. في المقابل، تشرف وزيرة العدل على إعداد لوائح سترفع إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ليراجعها وينتقي منها من يريد أن يهبه “عفواً خاصاً رئاسياً” واستثنائياً. فمن تشمل اللوائح المرفوعة؟ وهل سيصار إلى إصدار عفو خاص ولكنه شامل لآلاف الأسماء في الوقت نفسه استفادة من الدستور؟

العفو الخاص “لمن؟”

 

من جديد، عادت نغمة “الصلاحيات الرئاسية” إلى مسامع الشعب، وهذه المرة على شكل “مرسوم عفو خاص” عن فئة معينة من المساجين، وذلك عملاً بنص الفقرة التاسعة من المادة 53 من الدستور، التي تهب لرئيس الجمهورية دون سواه، صلاحية “العفو” بمرسوم خاص يوقع عليه وحيداً وساري التنفيذ كجزء من صلاحياته المميزة، وتقول المادة حرفياً: “يُمنح العفو الخاص بمرسوم. أما العفو الشامل فلا يُمنح إلا بقانون”. وحالياً تحضّر لجنة مختصة تحمل صفة استشارية فقط، لوائح المسجونين الذين سيشملهم مرسوم العفو الخاص، على أن يستثنى منهم من “ارتكب جرائم كبرى ضد أمن الدولة والجيش اللبناني والمحكومون بجنايات كبيرة” وأهمهم “الموقوفون الإسلاميون”.

 

وفي هذا الصدد يقول نقيب المحامين ملحم خلف لـ”نداء الوطن” إن لبنان اليوم في مواجهة ظرف صحي استثنائي وهناك خوف وخشية حقيقية على واقع السجون والسجناء. وبما أن “العفو العام” قرار سياسي يخضع لتجاذبات سياسية من جهة، وبما أن المجلس التشريعي (مجلس النواب) قد أرجأ اجتماعاته حتى اشعار آخر بسبب الكورونا من جهة أخرى، كان لا بد لنا من الضغط على ما هو “مقدور عليه” ويعتبر “حلاً سريعاً” لأزمة اكتظاظ السجون، التي تواجه خطر “الاعدام الجماعي في حال تفشى الفيروس”، لذا أتت فكرة العمل على اقرار مرسوم العفو الخاص بما يتيحه القانون. وهو “عفو اسمي” سيصدر بأسماء الأشخاص ستقدمه وزيرة العدل”. وأضاف: “حتى اللحظة لا يمكننا الحكم على المرسوم إذ إنه لم يصدر ولكن تمنينا في النقابة على الوزيرة باعتماد معايير أساسية موضوعية عادلة بين الجميع، ومساندة لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون”.

من جهتها، علقت الأمينة العامة لحزب سبعة، الإعلامية غادة عيد أن “ما يعملون على إعداده هو استغلال جائحة كورونا لتمرير “مرسوم رئاسي” لعفو شامل لكن يحمل صفة “العفو الخاص”، بما أنه سيصدر عن رئيس الجمهورية ولكنه مطابق لمساعي التيار الوطني الحر باستثناء “الموقوفين الإسلاميين” من قانون العفو العام، الذي يحتاج إلى قانون صادر عن مجلس النواب مجتمعاً”. وأضافت: “هناك 7046 سجيناً في لبنان يتوزعون على 25 سجناً لبنانياً يستحقون المعاملة بالعدل في ما بينهم. للأسف كل السجناء سواسية في المظلومية التي طاولتهم، وهناك الآلاف من الموقوفين والسجناء لم يحاكموا لسنوات عديدة وبعد المحاكمة يتبين أنهم أبرياء”.

 

وفي انتظار أن تسمح الأوضاع الصحية للبلاد بعقد جلسة تشريعيّة يُدرج ضمن بنودها قانون العفو العام، يتم تجهيز وإعداد لوائح بأسماء مبنية على معايير لا دخل لها بكورونا لا من قريب ولا من بعيد. وهنا نسأل هل ستلحظ المعايير الموضوعة في الاعتبار سنّ المساجين وهشاشة وضعهم الصحي من دون استثناء؟ أليس بين “الموقوفين الإسلاميين” كبار في السن أو موقوفون بتهمة وجود صورة لهم على الهاتف، لم تتم محاكمتهم لسنوات عدة ويقبعون في سجن مكتظ وغير صحي ولا نظيف؟ أليس هناك اشخاص ممن سيستثنيهم المرسوم تبين انهم تمتعوا بحسن سلوك وسيرة وانضباط طوال مدة سجنهم؟”. وختمت: “المخيف في الأمر أنهم سوف يعودون إلى المحاصصة الطائفية حتى بموضوع العفو واخلاء السبيل، مما يمكن أن يخلق حالة اعتراضية في الشارع قد يستفيد منها تيار المستقبل إذا قرر ركوب موجة “شد العصب” المعهودة. لا نعيش اليوم أزمة سجناء ووضع الناس في السجون فحسب، وهنا تطرح علامات استفهام كبيرة على أموال السجون التي نهبت، ولكن نعيش أزمة عدالة لولاها لما اكتظت السجون”.

 

هذا وقد صرح رئيس جمعية أهالي السجناء دمر المقداد لـ”نداء الوطن” أن أهالي الموقوفين والمساجين يرفضون المرسوم الرئاسي الخاص بالعفو قبل صدوره، إذ إنه “طائفي بامتياز ويستثني طائفة معينة من فرصة المسامحة”. وأكمل: “ما زالوا حتى اللحظة يحيكون المؤامرات على إقرار قانون العفو العام، ويعملون على استحداث عفو قانوني ولكن لاأخلاقي مبني على مقياس المحاصصة السياسية والطائفية، وليس على معيار الموضوعية والعدل إذ إن الحلول الجزئية لا تحل مشكلة السجون، فإن أقل المطلوب منهم غض النظر عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية والرأفة بالمساجين المرضى وكبار السن وآلاف الموقوفين بلا محاكمات فعلية. واليوم لا عفو يُغني عن العفو العام الذي بات حاجة وطنية ملحة”.

“همروجة” لـ600 شخص

 

وفي حديث هاتفي مع المتخصص بالعدالة الجنائية والأستاذ الجامعي الدكتور عمر نشابة والذي دُعي الى جلسة مجلس الوزراء التي بحثت بوضع السجون، علمت “نداء الوطن” أن هناك عوامل ستصعّب نجاح خطة الوقاية والإستجابة متمثلة بخمس نقاط وهي: “أولاً، نسبة الاكتظاظ الخانق في جميع السجون خصوصاً في رومية (3700) والقبة (750) وزحلة (760). ثانياً، ضعف صحة السجناء بشكل عام واصابة العديد منهم بأمراض صدرية وأمراض قلب وسكري. ثالثاً، ترهل البنية التحتية للسجون أي وضع المباني والصرف الصحي والمراحيض. رابعاً، ضعف البنية التنظيمية داخل السجون أي قوى الامن غير المتخصصة في إدارة السجون ونفوذهم. وخامساً، ضعف نظام المعلوماتية وتنظيم ملفات السجناء والقدرة على فرزهم بحسب ملفاتهم القضائية”. وأوضح: “باشرت بوضع اقتراح عاجل وطارئ والقيام ببعض الخطوات التي ذكرتها في خطتي لكن العبرة في التنفيذ الكامل. إذ حتى الآن يبدو أنه سيشمل العدد مئات فقط من المسجونين، بالتحديد ما يقارب الـ600 سجين فقط سيصار إلى العفو عنهم. ولكن في الواقع ما يحتاجه لبنان هو تخفيض عدد السجناء بنحو 3000 سجين في أسرع وقت ممكن لتجنب الكارثة”.

 

الأولويات العملية

 

وعن الأولويات العملية التي يجب أن تطبق بانتظار تخفيض اعداد السجناء المحكومين بعفو خاص، والموقوفين بقرارات يوصي بها مجلس القضاء الأعلى، يقول نشابة ان على المعنيين “رفع قائمة بالسجناء المرضى تكون صادرة عن المركز الطبي في رومية بالتعاون مع قوى الامن الداخلي ووزارة الصحة، وبمساعدة نقابة الأطباء يحدد فيها المعيار الطبي بحسب أطباء في وزارة الصحة متخصصين بالفيروس، بعدها ارسال جداول بالمرضى في مختلف السجون واتخاذ إجراءات خاصة وقائية لهؤلاء من خلال وضعهم في مكان محدد، ناهيك عن التشدد في النظافة من خلال تأمين الصابون وأدوات التنظيف، وتأمين كمامات للذين يضطرون للمواجهات او للتحرك خارج المبنى المحدد، وتخصيص أطباء ليكونوا جاهزين للتدخل حيث تدعو الحاجة، وتحديد اماكن الحجر الصحي داخل السجن ربما تكون في خيم موقتة داخل باحات السجون مثلاً”. ويتابع: “ومن التوصيات الأخرى التي تقدمنا بها هي وجوب وضع مذكرات توجيهية SOP لكل من يدخل السجون والتشدد في تطبيقها والرقابة عليها، وأيضاً للحرس والعسكريين الذين يدخلون الى الباحات الداخلية والممرات والغرف، وللطاقم الطبي والصيدلي في جميع السجون والزوار والمحامين. وعلى هذه المذكرات التوجيهية أن تطبق أيضاً في نطاق البريد والاغراض المرسلة من الخارج الى السجناء (دخان، مأكولات، ملابس، رسائل…)، أو أدوات مستوردة الى السجن (ادوية، مأكولات، أدوات صيانة وتنظيف وغيرها…)، وتعليمات توزع على عمال التنظيفات والمسؤولين عن جمع النفايات وعمال الصيانة وجميع الآليات والسيارات التي تدخل الى باحات السجون”.

 

وتابع: “في هذه المرحلة من المهم جداً التواصل مع ذوي السجناء والسجينات واعلامهم بالعمل الجاري للوقاية ولطمأنتهم، ولتحضير التعاون معهم لتنفيذ خطة الاستجابة للفيروس اذا انتقل الى داخل السجون في لبنان. كما طالبت برفع نسبة النظافة الى اقصى حد وتأمين كميات كبيرة من مواد التنظيف والصابون، والتأكد من توافر المياه واستقدام شركة للتعقيم اليومي خصوصاً على جميع مداخل السجون، وأوصيت بتطبيق خطة الاستجابة الطبية في السجون كإقامة مستشفيات ميدانية موقتة مجهزة بطواقم طبية، وتحضير أماكن العلاج وتجهيزها بالاسرة وبالتجهيزات الطبية والأدوية اللازمة، ووضع المذكرات التوجيهية بشأن التعامل مع أماكن العلاج ولمنع انتشار الفيروس في كل انحاء السجن، وتحديد سجن من السجون الصغيرة يخصص للحجر الصحي كجزين مثلاً او أميون أو البترون، مع تحديد أماكن وضع الجثث المحتملة وكيفية نقلها ودفنها في حال انتشر الفيروس”.

 

وختم: “قدمت للوزارات المعنية هذه الخطة الوقائية المتكاملة ولكن الضغط الأهم يكمن في رفع أعداد الذين سيشملهم العفو من 600 شخص حتى الآن إلى 3000، كي نكون قد طبقنا فعلاً خطة متكاملة وجدية”.

 

عقدت لجنة المطالبة بالعفو العام بالتعاون مع جمعية لجان أهالي المساجين مؤتمراً صحافياً من بعد ظهر أمس الثلثاء في بعلبك الهرمل، وذلك بعد الاجتماع الذي حصل في منزل نوح زعيتر في البقاع تداولوا فيه مسألة العفو الخاص واللامبالاة بوضع السجون في زمن الكورونا.

 

نوح زعيتر: أقرّوا العفو… وإلا التصعيد

وفي حديث خاص مع «نداء الوطن» اعتبر نوح زعيتر الذي تحدث باسم لجنة المطالبة بالعفو العام «أن السجون اللبنانية قد تتحول في أي لحظة إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا، حيث أن كل الإجراءات التي اتخذتها الوزارات المعنية وقوى الأمن لم توفر أجواء صحية مناسبة فيها، واقتصرت على التعقيم السطحي ومنع الزيارات فقط». وأضاف: «يقبع اللبنانيون اليوم في حجر صحي لم يتخط عتبة الشهر، فتدهورت الحالة النفسية للمواطنين وارتفعت نسبة العنف المنزلي، فما بالكم بالسجناء المحجورين أمنياً لسنوات عديدة ومعدومين ميدانياً بين الناس؟ سجوننا مكتظة وفيها أعداد ضعف طاقتها الاستيعابية، وكل من في الداخل يخبرنا عن تهالك بناها التحتية وضعف الجانب الصحي فيها، الأمر الذي يستدعي ضرورة تقليل الاكتظاظ واقرار العفو العام من دون انتقاص، فضلاً عن إنهاء التحقيق مع الموقوفين الجدد. أما بعلبك فهي محجورة عن اهتمام الدولة بها منذ عقود قبل حجرها صحياً الآن. وأكمل: «أطلق اليوم عبر منبركم دعوات للمجلس التشريعي أطالب فيه النواب باجتماعهم الكترونياً لإقرار العفو العام، ليكونوا مثالاً يُتبع، ألم يطالبوا التلاميذ بالدرس الكترونياً؟ فليقروا العفو العام الكترونياً وليكفوا عن المماطلة بذريعة الكورونا».

 

وختم: «يشعروننا أن التشريع البرلماني معقد فقط عندما يناسبهم، هناك خطر متصاعد على أبنائنا وإن لم يحركوا ملف العفو العام، سنتجه إلى التصعيد».