IMLebanon

أليس في بلاد العجائب

 

لم تنفع إعترافات السيدة نازك الحريري بعد 15 عاماً على جريمة إغتيال الحريري، ولا استفاقة وزير العدل السابق شارل رزق في زحزحة “حزب الله” قيد أنملة عن موقفه من التحقيق وحكم المحكمة الدولية.

 

قالت نازك الحريري إن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله زارها بعد أيّام من تفجير الرابع عشر من شباط 2005 مُعزّياً، ووعدها بكشف الحقيقة، مهما طال الزمن.

 

وتذكّر السيد رزق سلسلة جلسات حميمة مع السيّد نصرالله كان يعرض عليه خلالها النصوص القانونية المُقترحة للمحكمة الدولية التي كانت قيد الإنشاء.

 

ثمّ توقّفت الرواية عند هذا الحدّ. والأرجح أنّ الحريري لم تتلقّ نتائج عمّا وُعِدّتْ به، كما أنّ الجلسات التي يحفظها رزق بحنين ملموس صارت جزءاً من ماضٍ سحيق.

 

في الأثناء، خَلَفتْ المحكمة لجنة التحقيق الدولية، ورفض “حزب الله” قيامها، وأجرى تحقيقاته الخاصة عارِضاً صوراً جوية تشير الى متابعة اسرائيلية للرئيس الراحل بين بيروت وفقرا …

 

استهلك الحزب أسابيعَ وشهوراً في محاولة إثبات مسؤولية اسرائيل ومَنْ وراءها عن الجريمة، وشنّ حملةً إعلامية موازية ضدّ المحكمة الدولية، قادته الى إعلان موقف لم يتراجع عنه حتى بعد صدور حكمها الأخير بحقّ أحد عناصره سليم عياش، وفي الحالتين، أسقط وعدَه لنازك الحريري، وأعاد شارل رزق الى ذكرياته بخفّي حنين.

 

كان اتهام اسرائيل معطوفاً على ما أُشيعَ عن علاقة طيبة بين رفيق الحريري ونصرالله كافياً لجعل حرب تموز ردّاً من الحزب على الجريمة المُرتكبة بحقّ لبنان، حكومة وشعباً ومقاومة، إلّا أنّ الحزب، الذي خاض تلك الحرب المُدمّرة، جعلها مِدماكاً في سياق آخر، سيقوده الى السيطرة بالقوة على بلدٍ سيفقد بقيةً من تقاليده الديموقراطية البرلمانية وما بناه من ثقةٍ بالعدالة، عبر قضاء محلي، وصولاً الى منعه من الإحتكام الى قضاءٍ دولي والثقة بنتائج مداولاته.

 

هل كانت الوعود المُرْسَلة على مسامع نازك الحريري حقيقية أو جزءاً من خطّة لإضاعة الوقت؟ وهل كانت النقاشات الحميمة مع شارل رزق شيئاً من الصنف ذاته؟ غالباً، تُقاسُ الأمور بخواتيمها، ومسيرة 15 عاماً بعد الإغتيال كافية للقول انّ “حزب الله” هو في مكانٍ آخر تماماً. فاتهامه إسرائيل بارتكاب جريمة الإغتيال لم يضطرّه الى أي ردّ فعل ضدّها، وهو الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عن ردع العدو، فيما مقتل أحد عناصره يضع الحدود الجنوبية أسابيع في حالة انفجار، ورفضه التحقيق الدولي لم يدفعه أبداً الى تفعيل تحقيقٍ محلي، وتجربته مع التحقيق اللبناني لم تكن ناصعة في حوادث إعتداء لاحقة، كتلك التي تعرّض لها الوزير بطرس حرب، حيث رفضَ طلب مثول المتّهم أمام القضاء إلّا بشرط خروجه فوراً…

 

أُضيفت روايتا نازك ورزق الى كتاب “أليس في بلاد الأحلام”، وبالرغم من صدور القرار المهمّ من أعلى سلطة قضائية دولية قامت بطلب من لبنان، وتسميتها مسؤولاً حزبياً كمرتكب للجريمة، تمسّك الحزب بموقفه الرافض للمحكمة والحكم، مُكتفياً بالترحّم من آن لآخر، على الشهيد الحريري، فيما المطلوب كسر حلقة أوهام الهيمنة والعودة الى لبنان بتاريخه وتجربته، وهي عودة يبدو أنّ تسليم المتّهم هو وحده مدخلها الإضطراري.