Site icon IMLebanon

المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين [7]

: لماذا تخفي المحكمة معلومات عن أحمد أبو عدس؟

 

انتشر فيلم فيديو يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين في 14 شباط 2005 ظهر فيه رجل يدعى أحمد أبو عدس معترفاً بتنفيذ الاغتيال. وسارعت لجنة التحقيق الدولية ومكتب المدعي العام في المحكمة الدولية لاحقاً، الى نفي ضلوع أبو عدس في الجريمة، وقالوا إنه استخدم لتضليل التحقيق. لكن المدعي العام رفض رفضاً قاطعاً تسليم كامل وثائق التحقيق عن أبو عدس الى الدفاع ليتمكن من دراستها. فما الذي يخفيه فريق الادعاء إذا كان متأكداً من أنه لا علاقة لأبو عدس بتنفيذ الجريمة؟ ولماذا أصرّ القضاة على قطع الطريق على إحالة هذا الموضوع على محكمة الاستئناف؟ وهل يجوز اصلاً ان يمنع القاضي استئناف قرار صادر عنه، ام ان في المحكمة الخاصة إجراءات خاصّة وتعاملات خاصّة تتيح الوصول الى احكام خاصّة لا تمت إلى العدالة بصلة؟

في ٢٣ تمّوز ٢٠١٤ صدر قرار عن غرفة الدرجة الاولى في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين يردّ المذكرة التي أودعها فريق الدفاع عن حقوق السيد حسين حسن عنيسي (الذي يحاكم غيابياً) والتي طلب من خلالها الكشف عن مستندات تتعلق بالقرص الصلب لحاسوب يُزعم أنهّ عائد إلى أحمد أبو عدس، علماً بأن تسجيل فيديو كان قد بثّ في اليوم نفسه لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ويظهر فيه أبو عدس معترفاً بضلوعه في الجريمة.

 

فريق الدفاع كان قد طلب من غرفة الدرجة الاولى أن تأمر فريق الادعاء بـ : (١) الكشف عن جميع المستندات والمعلومات المرتبطة بحاسوب السيد أبو عدس، بما فيها تحليل أجراه «خبير خارجي» للادعاء بين ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٢ و١١ نيسان ٢٠١٣؛ و(٢) تقديم تقرير مفصل وشامل حول تسلسل التحقيقات الخاصة بالقرص الصلب المذكور.

وبدل ان يستجيب الادعاء لطلب الدفاع عملاً بمعايير المحاكمة العلنية العادلة، قدم احتجاجاً الى القضاة ادّعى فيه ان لا مبرر قانونياً لهذا الطلب الذي «لا يرتكز على اعتبارات وقائعية»، وتابع حججه الواهية بالقول إن تحليل القرص يعدّ منتجاً من منتجات «العمل الداخلي» وينبغي بالتالي استثناؤه من موجب الكشف عملاً بالمادة ١١١ من القواعد.

ففي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا يُسمح لفريق الدفاع عن حقوق السيد عنيسي الذي يحاكم غيابياً، طلب الكشف عن جميع المستندات والمعلومات المتعلقة بحاسوب السيد أبو عدس [1] الذي كان قد اعترف بارتكاب الجريمة عبر الفيديو. وممنوع على الدفاع الاطلاع على تحليل كان قد اجراه «خبير خارجي» تابع للادعاء. فالمحامون أرادوا الحصول على معلومات تتعلق بهوية ذلك الخبير (هل هو إسرائيلي مثلاً؟) والاشخاص الآخرين الذين يمكن ان يكونوا قد عملوا معه، والتعليمات التي أُعطيت له، ومكان معاينة القرص الصلب، وما اذا كان الخبير قد عاين القرص الصلب بصيغته الأصلية أو نسخة عنه، وجميع التقارير الاخرى التي أعدها الادعاء استناداً الى القرص الصلب.

وبما أن القضاة لم يستطيعوا ردّ كل ما طلبه الدفاع لعدم افتضاح انحيازهم إلى فريق الادعاء، فقد سمحوا للدفاع بالاطلاع على مضمون القرص الصلب الذي في حوزة الادعاء ونسختين مطابقتين تماماً للقرص الصلب، وتحليل الخبير الخارجي، باستثناء تقرير شامل حول تسلسل عهدة القرص الصلب، إذ اعتبر الادعاء أن تقرير الخبير الخارجي هو منتج من منتجات العمل الداخلي لا يجوز الكشف عنه عملاً بالمادة ١١١ من القواعد.

وفي المحصلة، ردّت غرفة الدرجة الاولى طلب الدفاع الحصول على تقرير مفصل وشامل حول تسلسل عهدة القرص الصلب العائد الى حاسوب السيد أبو عدس.

 

الاعتراض ممنوع

بعد صدور قرار القضاة برد طلب الدفاع، قرر المحامون اللجوء الى غرفة الاستئناف، لكن غرفة الدرجة الاولى منعتهم من ذلك في خطوة قمعية تضع كل مسار المحكمة في اطار الشك. فأي محكمة هذه التي تعطي صلاحية قبول او ردّ الاستئناف للجهة المستأنف ضدها؟ بطبيعة الحال هي محكمة خاصة وخاصة جداً تجافي الحق ومبادئ العدل والانصاف.

ففي 19 آب 2014 صدر قرار عن غرفة الدرجة الاولى برفض الترخيص لفريق الدفاع باستئناف قرار منع اطلاعه على كامل المعلومات عن حاسوب أبو عدس. ألا يثير ذلك شكوكاً جدية في ما يخفيه الادعاء عن أبو عدس؟ ألا يستدعي موضوع الحسم في عدم علاقة أبو عدس باغتيال الحريري؟

وكان فريق الدفاع عن حقوق السيد عنيسي قد طلب في 23 تموز 2014 ترخيصاً باستئناف قرار غرفة الدرجة الاولى ردّ طلب الدفاع الحصول على تقرير مفصل وشامل حول تسلسل عهدة القرص الصلب العائد الى الحاسوب الذي كان يملكه ويستخدمه السيد أبو عدس. وكان محامو الدفاع قد نبّهوا مراراً وتكراراً من أن هذه المسألة تؤثر الى حد كبير على عدالة الاجراءات، حيث إن من الضروري الاسترشاد بغرفة الاستئناف في ما يتعلق بنطاق التزامات الادعاء المتعلقة بالكشف.

المحكمة التي تعطي صلاحية قبول أو ردّ الاستئناف للجهة المستأنف ضدها هي محكمة تجافي مبادئ العدل والإنصاف

 

قضاة غرفة البداية في المحكمة الخاصة بلبنان لم يخالفوا القانون من خلال قرارهم منع فريق الدفاع من الاعتراض على قرار قضائي أمام غرفة الاستئناف، بل تصرفوا بطريقة مخالفة لمبادئ العدالة الصحيحة. المادة 126، الفقرة (جيم) من القواعد تجيز لغرفة الدرجة الاولى ان ترخص بتقديم استئناف تمهيدي لمسألة ما، شرط استيفاء معيارين تراكميين هما: «1» اذا كان القرار يتناول مسألة من شأنها ان تؤثر الى حد كبير في الانصاف والسرعة في الاجراءات او في نتيجة الدعوى. «2» ويكون من شأن فصل محكمة الاستئناف في المسألة على الفور ان يعجل في الاجراءات بشكل ملموس. وكانت غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة قد شددت على ان شرطَي الترخيص بتقديم استئناف تمهيدي هما شرطان دقيقان، وأن على الغرفة ان تولي عناية كبيرة في تقييمهما. والمسألة المُرخص باستئنافها يجب ان تنجم بوضوح عن القرار والا تكون مفرطة في التعميم.

قضاة غرفة البداية ادّعوا أنه بما أن الادعاء سبق له ان كشف عن جميع المستندات والمعلومات، وضمنها التقرير الخارجي، قرروا ان المسألة ليست ذات موضوع ولم تبتها. وخلصوا إلى ان المسألة المطلوب الترخيص باستئنافها غير ناجمة عن القرار.

 

معلومات ستبقى سرّية في التحقيق الفرنسي

في 19 تشرين الثاني 2012 أرسل المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان طلب مساعدة إلى الحكومة الفرنسية، ملتمساً منها المساعدة في تحليل قرص صلبٍ لحاسوب ضبط في منزل السيد أحمد أبو عدس. وبناءً على هذا الطلب، أوعزت الحكومة الفرنسية إلى معهد البحوث الجنائية التابع للشرطة الفرنسية بإعداد تقرير. أنجز التحقيق وسُلّم التقرير الى الادعاء. وفي 14 تموز 2014، كُشف عن التقرير امام فرق الدفاع في المحكمة.

وأودع المحامون المكلفون بالدفاع عن حقوق السيد حسين حسن عنيسي طلب تزويدهم بعض المستندات ذات الصلة بالتقرير، بما فيها طلب المساعدة الأصلي. فرفض الادعاء إعطاء تلك المستندات، ونتيجة لذلك، طلب فريق الدفاع من غرفة البداية ان تصدر قراراً تطلب فيه من الادعاء الكشف عن تلك المستندات.

المستندات المطلوبة هي:

– طلب مساعدة موجه من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان إلى حكومة فرنسا طالباً منها تعيين خبير من معهد البحوث الجنائية التابع للشرطة الفرنسية لمعاينة القرص الصلب لحاسوب السيد أبو عدس وإعداد تقرير في هذا الشأن.

– رسالة موجهة من نائب المدعي العام للجمهورية لدى المحكمة الابتدائية في باريس الى المعهد.

– مستند صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية تضمن تحليل القرص الصلب لحاسوب السيد أبو عدس.

– رسالة إلكترونية موجهة من الخبير الى نائب المدعي العام.

– رسائل إلكترونية تبادلها الخبير ونائب المدعي العام بشأن تقديم التقرير.

رفض الادعاء تسليم الدفاع المستندات المطلوبة قائلاً ان طابعها اداري، ولهذا السبب فإنها لا تخضع للكشف أو المعاينة وفقاً لقواعد الإجراءات والإثبات للمحكمة الخاصة. وأضاف فريق الادعاء ان أغلبية المستندات المطلوبة من الدفاع هي مراسلات بين كاتب تقرير المعهد ومسؤولين فرنسيين، ولا توفر اي معلومات بشأن الاهداف المزعومة للادعاء.

غير أن فريق الدفاع كان قد أصرّ على الطلب قائلاً إن المستندات المطلوبة ضرورية «لفهم الاهداف التي يسعى الادعاء الى تحقيقها»، وهي، وفقاً للقانون الفرنسي، ليست مجرد أعمال إدارية بل أعمال قضائية. كما احتج بأنّ المستندات المطلوبة تشكل جزءاً لا يتجزأ من تقرير معهد البحوث الجنائية التابع للشرطة الفرنسية الذي أرفقت به.

لكن قضاة غرفة البداية رفضوا الحجج التي قدمها الدفاع وردّوا طلباته يوم 14 تشرين الاول 2014 في قرار بدا انصياعا واضحاً لموقف فريق الادعاء. ويبقى السؤال: ما الذي يخفيه الادعاء؟ ولماذا لا يكشف عن كل ما في حوزته إذا كان فعلاً لا يكذب ولا يتلاعب بنتائج التحقيقات بهدف خدمة أجندة سياسية؟

 

[1] كما وردت في الفقرتين ١٥ و١٦ من الطلب الذي أودعوه في ٢٠ آذار ٢٠١٤