لا خوف على الحوار في ساحة النجمة، وإن كان من الصعب الرهان عليه. فالحوار مستمر وعلى موعد مع جلسات مكثفة لثلاثة أيام متتابعة. لكن المهم ليس استمرار الحوار في غياب المؤسسات بل أن ينتهي الى تسويات تعيد العمل الى المؤسسات بلا حاجة الى طاولة حوار خارجها. ولا أحد يتوقع، وإن كان يتمنى، أن تنتهي جلسات الحوار في السادس والسابع والثامن من تشرين أول بالنزول من الطبقة الثالثة الى قاعة الجلسات العامة لانتخاب الرئيس.
ولا شيء يكشف عمق البؤس السياسي أكثر من أن تصبح قمة الايجابية هي تركّز النقاش على بلورة الأسس لانجاز البند الأول حسب البيان الرسمي عن الجلسة الثالثة. وترجمة ذلك هي البحث في مواصفات المرشح المطلوب لرئاسة الجمهورية. ومتى؟ بعد ستة عشر شهراً على الشغور الرئاسي وتعيين المواعيد لجلسات معروف سلفاً أن نصابها لن يكتمل. ومن يقاطع الجلسات؟ نواب حزب الله والتيار الوطني الحر على أساس أن لديهم مرشحاً من لحم ودم تكتمل فيه المواصفات التي تتطلبها الرئاسة، هو العماد ميشال عون. لا بل ان حزب الله يعلن الاستعداد للانتظار ألف عام من أجل المجيء بمثل هذا الرئيس.
وليس الحديث عن تعديل للدستور لانتخاب الرئيس من الشعب أو عن انتخابات نيابية على أساس النسبية، وقيام المجلس الجديد بانتخاب الرئيس، وحتى التسليم ضمناً بأن المجلس الحالي المقبول منه تعديل الدستور مقبول منه انتخاب رئيس، سوى وسائل متعددة لتحقيق هدف واحد: ايصال العماد عون الى قصر بعبدا. والبعض يقول ان الهدف المراد عملياً عبر التمسك باقتراحات يصعب السير فيها والاصرار على ربح محور على آخر هو ابقاء الجمهورية بلا رئيس لحسابات تتعلق بالمعارك التي يخوضها محور الممانعة في سوريا والعراق واليمن.
لكن المسألة ليست ان يتوافق او لا يتوافق المتحاورون على المواصفات. فلا الطائفة المارونية فقيرة بالشخصيات المؤهلة. ولا الرئيس القوي سوى الرجل القادر على الجمع بدل القسمة، المؤمن بأهمية الحوار وضرورة القرار، القارئ الجيد في السياسات والعلاقات الداخلية والخارجية، والعارف كيف يستخدم قوة الرئاسة بالحكمة والمرونة والصلابة. المسألة هي أن تكون أو لا تكون لنا جمهورية في زحام الأحداث الدراماتيكية. والسؤال هو: هل يؤمن المتحاورون بأن لبننة الرئاسة ممكنة أم ان معظمهم يتصرف على أساس ان اللعبة في أيدي الخارج؟
لا حاجة الى التذكير بالرهانات على الاتفاق النووي والابواب التي فتحها ثم على الدور العسكري الروسي في سوريا.