IMLebanon

خطاب الاعتدال يجمّد مفاعيل سيناريوات الممانعة  

تمكّن تيار «المستقبل« مرة جديدة من منع انفجار كبير في البلاد كان يمكن أن يصل الى نتائج كارثية، وتمكّن هذا الفريق السياسي من منع الاستثمار بجريمة التعذيب في سجن رومية بعد أن كانت السيناريوهات الأسوأ هي الأقرب للتحقق. ووفق مصادر مطلعة فإن حركة وزير الداخلية نهاد المشنوق السريعة والمدروسة تمكنت من امتصاص الغضب الشعبي وتحويله الى غضب بنّاء ينتج عنه قرارات ومحاسبة من خلال مؤسسات الدولة.

منذ اليوم الأول لانتشار فيديو التعذيب أعلن وزير الداخلية أنه يتحمل المسؤولية وأن إجراءات المحاسبة والمعاقبة ستبدأ بحق العناصر التي ارتكبت أعمال التعذيب الوحشية قائلاً «سنتخذ كل الإجراءات اللازمة بحق العسكريين ولن نسمح تحت أي ظرف بتعنيف السجناء.»

وفي الوقت نفسه كان وزير العدل يعلن توقيف عنصري أمن في سجن رومية على خلفية تورطهما في تعنيف عدد من الموقوفين لفظيّاً وجسديّاً بطريقة وحشية، وقال ريفي في مؤتمر صحافي عقده في 21 حزيران إن ما نُشر حول تعذيب المساجين في سجن رومية «جريمة في حق الوطن والإنسانية»، مضيفاً «هذه الجريمة لا يمكن أن تمر من دون عقاب«، متعهداً بمتابعة التحقيقات حتى النهاية.

ورغم الغضب العارم في الشارع السني والتظاهرات التي خرجت للتنديد بأعمال التعذيب ومحاولات قوى الثامن من آذار ووسائل إعلامها تصوير المشهد وكأنه انقلاب على الاعتدال وعلى ممثله في لبنان الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل«، بقي الأخير محافظاً على خطابة المعتدل والهادئ والصارم في الوقت نفسه لناحية إنزال العقاب بالمرتكبين. وهو ما أكده الرئيس سعد الحريري الذي شدد على ضرورة محاسبة كل المرتكبين والمتورطين والمسؤولين عن هذه الارتكابات والممارسات اللاإنسانية، وإنزال أشد العقوبات بحقهم، لأنهم بممارساتهم وتصرفاتهم هذه يسيئون للدولة والحكومة وقوى الأمن الداخلي بقدر ما يسيئون إلى حقوق الموقوفين وكرامتهم التي يكفلها القانون. كما أكد ثقته بأن «الوزيرين ريفي والمشنوق لن يكترثا لبعض الأصوات المزايدة التي تحاول استغلال قضية محقة لتحقيق مآرب سياسية ضيقة في هذه الظروف«.

ولا يخفى على أحد أن المصطادين في الماء العكر كانوا كثراً وحاولوا الاستفادة من لحظة اعتبروها ضعفاً في مسيرة تيار «المستقبل«، لكن الإجراءات القضائية التي اتخذت خصوصاً بعد ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الدركيين الموقوفين الخمسة في جرم ضرب السجناء ومعاملتهم معاملة غير إنسانية ومخالفة التعليمات العسكرية وعلى سادس لتصوير الحادثة وعلى اثنين آخرين لعدم إخبار السلطة، وأحالهم الى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، أعادت الهدوء الى الشارع الغاضب والثقة بالدولة ومؤسساتها لمعالجة أي خلل يمكن أن تتعرض له.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى أهمية الزيارة التي قام بها وزير الداخلية الى سجن رومية للقاء الموقوفين الذين تعرضوا للتعذيب وتأكيده مرة جديدة من داخل السجن على ضرورة المحاسبة من دون أن يعني ذلك معاقبة مؤسسة قوى الأمن الداخلي بكاملها وتحميلها المسؤولية.

وقد تكون مزايدات بعض الأطراف السياسية على موقف «المستقبل« قد شجعت عدداً من السجناء في «رومية« على إثارة الشغب من جديد للمطالبة بالحصول على امتيازات معينة على خلفية ما حصل مع الموقوفين الإسلاميين، كما طالبوا بالتمكّن من اقتناء أجهزة خلوية داخل السجن لكنّ طلبهم هذا قوبل برفض قاطع نظراً الى عدم قانونيته. وعاد الوضع في السجن الى هدوئه في ظل تأكيد وزارة الداخلية والقوى الأمنية أن عصر الإمارة لن يعود.

هكذا يكون لبنان اجتاز قطوعاً أمنياً حقيقياً وليس عبر التسويف والشعارات بل عبر اللجوء الى الدولة ومؤسساتها واعتماد مبدأ المحاسبة ومعاقبة المرتكبين. ويكون الشارع السني أكد مرة جديدة تمسكه بخيار الاعتدال في وجه جنون التطرف المحيط بلبنان والذي يريد البعض أن يدفع هذا الشارع اليه ليبرر لنفسه تورطه في الحرب السورية أو في أية أحداث ممكن أن تحدث في لبنان.