المهمّ في كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالأمس هي تحديده بجملة واضحة أفق معركة جرود عرسال بقوله «الميدان والمفاوضات للتسوية»، هي إذن دعوة للتفاوض مع جبهة النصرة مباشرة على الهواء في كلمة بصرف النظر عن «النصر المنجز المنتظر اكتماله» وبصرف النظر عن التأثّر الشديد الذي أبداه في نهاية كلمته، «النصر المنجز» قد يتحوّل إلى استنزافٍ للحزب في الجرود، بالرّغم من مطالبته لإعلام الحزب وحلفائه بعدم تشغيل عدّاد التوقيت لانتهاء المعركة، على الأقلّ بهذا حفظ لحزبه «خطّ الرجعة» في حال رفض إرهابيّو جبهة النصرة عرض التسوية، وقرّر المضيّ في معركة إنتحاريّة خاسرة سيتّخذ فيها اللاجئين الذين يقارب عددهم إثنا عشر ألف لاجىء سوري في وادي حميّد والملاهي دروعاً بشريّة، وهذا ليس بمستبعدٍ عن إرهاب النصرة، عندها سيكون الحزب دخل في «ميدان» رمال متحرّكة ستخرّب حسابات حرصه على قطف نصر «غير منجز» بعد!
أمّا الأهمّ في كلمة نصرالله فهو الاستعداد الذي أبداه «لتسليم الارض والمواقع المحررة في جرود عرسال للجيش اللبناني حين تطلب قيادة الجيش ذلك» والرّغبة التي أبداها في «أن تتحمل قيادة الجيش هذه المسؤولية»، بالطبع هذه النوايا مشكورة ونفترض أنها صادقة، ونتمنّى على الدولة اللبنانيّة وعلى الجيش اللبناني أن يبدأ على الفور بالتحضير لتسلم منطقة جرود لأنّ هذا سيحقّق مطلباً لبنانياً عامّاً ببسط سلطة وسيطرة الدولة على الحدود اللبنانيّة الشرقيّة مع سوريا، فتسلم الجيش اللبناني لهذه المنطقة سيتيح لاحقاً في وقتٍ ما تطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 17 أيار 2006 والذي ينصّ بنده الرابع على التشجيع بشدة «حكومة سوريا على الاستجابة بشكل إيجابي للطلب الذي قدمته حكومة لبنان تماشيا مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الحوار الوطني اللبناني، بتحديد حدودهما المشتركة، خصوصاً في المناطق التي تعتبر فيها الحدود غير مؤكدة أو محل نزاع»، وهذه الحدود تحتاج إلى ترسيم ومهما تهرّب النظام السوري من هذا الأمر ستأتي لحظة تأخذ فيها كلّ قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة على مدى الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة طريقها إلى حيّز التنفيذ.
نصّ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في فقرته التمهيدية الثامنة على «إعادة التأكيد على السعي إلى تعزيز القوات اللبنانية المسلّحة بالعتاد بحسب الحاجة لتمكينها من تأدية مهامها»، بعدد المرات التي يعرب فيها لبنان عن التزامه القرارات الدولية الخاصة بلبنان والقرار 1701 [12 آب 2006] خصوصاً وآخرها في المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس سعد الحريري قبل يومين، المطلوب أن تسعى الدولة اللبنانيّة وقيادة الجيش في مرحلة أولى لتجهيز الجيش بالعتاد اللازم لصيانة الحدود اللبنانيّة الشرقيّة والشماليّة، والاستعانة بكلّ الدول الصديقة وفي مرحلة لاحقة لتجهيز لواء حرس الحدود في الجيش اللبناني عبر فتح باب التطوّع والتدريب العاجل والمتطوّر فهذه فرصة لا تعوّض في إخراج لبنان من مستنقع تسيّب الحدود وفلتانها.
الميدان أو المفاوضات؟ يترقّب اللبنانيّون خيار إرهابيّي جبهة النصرة بحذر خلال الساعات المقبلة، هذا الخيار سيحدّد مسار ومصير المعركة في جرود عرسال، والمخاوف كبيرة من انزلاق المعركة إلى حيث لا يريد أحد، خصوصاً وأن اللاجئين في وادي حميّد والملاهي الملاذ الأخير لإرهابيّين لا يتجاوز عددهم الخمسمئة قد يأخذون إثنا عشر ألف لاجىء دروعاً بشريّة، التجربة مع هؤلاء غير مشجعّة في حلب وسواها، لم يخرجوا بتسوية مع أهلهم إلا بعد إلحاق دمار شامل بالحجر والبشر في كلّ منطقة نكبت بسيطرتهم عليها!
ميرڤت سيوفي