IMLebanon

خطاب الثقة.. المفقودة

مَن تابع خطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس، أدرك جيّداً أن ثمة أموراً كثيرة ما زالت مُبهمة في موضوع الملف الرئاسي وتحديداً بالنسبة إلى الحزب الذي يبدو وبشكل واضح، أنه ضائع بملفاته السياسية كما العسكرية. ولأن تغيير حال الحزب في الوقت الحالي، من المُحال، لا بد من إنتظار المفاجآت التي عوّد عليها «حزب الله» اللبنانيين، بين الحين والآخر.

أمس تحدّث نصرالله في ذكرى اسبوع القيادي في «حزب الله» الحاج «علاء»، عن العلاقات «المتينة» التي تجمع حزبه ببقيّة حلفائه وعلى رأسهم حركة «أمل» والتيّار «الوطني الحر»، ولأن «متانتها» تصل إلى أقصى الحدود بحسب وصفه لها، اضطر نصرالله الى أن يفرد وقتاً إضافيّاً لتوضيح بعض الشوائب التي تسودها، والتي حاول إزالتها أو أقله إيضاحها. من المؤكد أنه وصلت إلى مسامع نصرالله إنتقادات واسعة تتعلّق بالتقلبات التي تخضع لها علاقة «حزب الله» بحلفائه خصوصاً «أمل» و«الوطني الحر» والمواربة التي يفتعلها ويُمارسها في الملف الرئاسي، فراح يحاول شرح مدى العلاقة «الثابتة» و«الراسخة» التي تجمعه بالأولى، وأهميّة التحالف والإلتزام مع الثاني. وهذا إن دل على شيء، فعلى الثقة المفقودة بالحزب من أهم حليفين، بعكس ما يدّعيه «حزب الله» على الدوام.

في الملف الرئاسي قال نصرالله ما معناه، «اننا لا نلزم أياً من حلفائنا بخياراتنا». هذه الجملة ليست كلمة سر لحلفاء الحزب الذين لا يستطيعون الخروج من تحت عباءته، إنما هي كلمة أمر بأن إيّاكم وان تفعلوا ما لا نريده، تماماً، وهي أيضاً جملة تتوافق مع ما كان اطلقه نصرالله يوم ذهابه للقتال في سوريا، يومها قال «نحن لا نلزم أحداً بهذا القتال». والكلام هذا يؤكد، أن قتال الحزب المتعدد الأوجه، له قواعد كتلك التي يُطبّقها في سياسته الداخلية وفي زمن قتاله في جنوب لبنان، وهو له معنىّ واحد وهو انه «يُمنع التغريد خارج سربنا».

تابع نصرالله تطميناته إلى الحلفاء، فأوضح لهم أنه « ليس هناك نيّة لدينا في إدارة البلد بطريقة ثنائية». رغم أن نصرالله يعلم في قرارة نفسه انه ليس في حاجة إلى تطمين لا الحلفاء ولا حتّى الخصوم، فالشواهد على «تطميناته» كثيرة، لم تبدأ بالإنفراد بقرار الحرب في تموز 2006 ولا بعدم إستعمال السلاح في السابع من أيّار 2008، ولا حتّى بالإنقلابات على الحكومة الشرعية. نعم، «حزب الله» لن يدخل في لعبة «الثنائية»، طالما انه قادر على فرض إرادته على البلد بشكل أحادي.

في معرض تبريره للكلام الذي يتحدث عن عدم وجود رغبة لدى «حزب الله» بالتصويت لعون، يقول نصرالله «يقدر حزب الله أن يبقى على التزامه بتأييد عون وأن لا يسمح بإقامة إنتخابات رئاسية»، وهذا اعتراف واضح بمدى قدرة الحزب على تعطيل الإستحقاقات الدستورية على عكس ما كان وما زال يدعيه من حرص وتأكيد على دور الدولة ومؤسساتها. ويتأكد هذا الإعتقاد بشكل جازم، من خلال الخطوة الكبيرة التي خطاها الرئيس سعد الحريري باتجاه هذا الإستحقاق من خلال تبنّيه ترشيح عون للرئاسة. أمّا الخطورة الأبرز والخطيئة الأكبر، جاءت عندما قال نصرالله» «نحن نقدم تضحية كبيرة جداً عندما نقول اننا لا نمانع من مجيء الرئيس الحريري رئيساً للحكومة»، فبهذا الكلام عاد نصرالله وانقلب على كل ما كان طرحه في وقت سابق وهو أو قادة حزبه، لم يتركوا بازاراً ولا مناسبة، الا واستغلوها للدخول في تسوية مع الحريري تحت عنوان «رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة». والسؤال الأبرز: هل أصبح تأييد زعيم الإعتدال في البلد، تضحية بالنسبة الى «حزب الله»، وهل هذا يعني أن تنظيم «داعش»، وأمثاله، أصبح التجربة الافضل والأمثل التي يتمناها؟.

يريد نصرالله أن «يكون البلد آمناً ومستقراً وبعيداً عن الاحداث التي تحيط بالمنطقة». نعم هو كلام في محلّه، لكن قلّة هم مَن يسعون إلى تحقيقه بالجهد والأفعال لا بالممارسات والأقوال، فمن أين يأتي الأمن والأمان، و«حزب الله» يُغرق لبنان واللبنانيين بارتكاباته، من اليمن إلى العراق فسوريا، ويُحملهم نتائجها على كافة الأصعدة. ويتناسى نصرالله خطاباته التي يهدد من خلالها دولاً عربية جارة وصديقة، ويتوعّد فيها قيادات سياسية لبنانية، فأين هي المصلحة الوطنية في كل هذا الكلام، وأين هو الاستقرار الذي يشهده؟

أمّا في الشق المتعلق بسوريا، فيسأل نصرالله عن «الجهة التي دعمت كل الحركات المسلحة هناك ومن درّبها ومن موّلها ومن سلّحها». من المؤكد أن في سوريا حركات مسلحة شرعية تدافع عن بلدها لا تنتمي إلى أي محور خارجي، بل كل ما يعنيها وجودها وتثبيت الإستقرار والأمن والأمان، تماماً كما توجد فيها ميليشيات تعمل لمصالح دولية وإقليمية، فهل أوضح نصرالله للشعب السوري الذي يُقتل ويُذبح على مرأى من الحلف «الممانع»، من الذي أرسل حزبه إلى بلاد هذا الشعب، ومن الذي يُسلّحه هناك ومن اجل ماذا؟. ومن الذي معه الميليشيات العراقية والافغانية ومن يدفع لهم الرواتب وغيرها..؟