لم تمر ذكرى الانتصار العاشرة في حرب تموز 2006 من دون أن يشحنها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بعناصر قوة إضافية، ستضع المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي أمام مرحلة تقييم وحساب جديدة، تجعله يفكر أكثر بكل كلمة ومفردة وردت في خطاب الثالث عشر من آب وما ينتظر الإسرائيلي من مفاجآت صار بعضها محسوساً نتيجة تراكمات الحرب السورية والقدرات والخبرات المكتسبة على مدى عقد من الزمن.
يكفي اختيار عاصمة التحرير بنت جبيل، يوم هزّ «السيد» بـ«خطاب بيت العنكبوت» كل منظومة الردع الإسرائيلية، وفتح صفحة جديدة في «الوعي»، للدلالة على ان حجم التحدي يكبر ومعه تكبر الامكانيات واحتضان جمهور المقاومة لهذه المسيرة المتوارثة من جد شهيد الى أب شهيد الى ابن شهيد، في المواجهة المفتوحة ضد الارهابين الاسرائيلي والتكفيري، لذلك قرأت اوساط سياسية معنية في خطاب «بيت العنكبوت الثاني» ثلاثة أبعاد:
ـ البعد الإسرائيلي: أجرى «السيد» قراءة معمّقة للواقع الإسرائيلي، وثبت ما يكفي من رسائل مشفرة وواضحة محورها إلمام المقاومة بعناصر ضعف الجبهة الاسرائيلية بكل مستوياتها، بما فيها في أية حرب مقبلة، وصولاً الى نقل المقاومة من وضعية الدفاع الى حالة الهجوم، استناداً الى مسار ونتائج حرب العام 2006 والخبرة المتعاظمة نتيجة الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات.
ماذا يعني ذلك؟
توضح الاوساط نفسها ان هذا يعني بأن اسرائيل لا تمتلك قرار الحرب بعد سقوط توازن الردع السابق الذي كان قائماً على «نوجعهم ويوجعوننا». الآن، صار التوازن الجديد يقوم على «نوجعهم قبل أن يوجعونا»، وهذا ما أقرّ به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو عندما طرح معادلة «الهدوء مقابل الهدوء»، أي الانتقال من توازن الردع السلبي الى توازن الردع الإيجابي، بعدما سقطت نظرية شن الحرب لفرض الهدوء التي كان العدو دائماً يتسلّح بها.
ـ البعد اللبناني: يُقرأ من كلام «السيد» أن الفرصة كانت ولا زالت متاحة امام الرئيس سعد الحريري للقبول بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولاحقا فتح الأبواب للقبول بالحريري رئيساً للحكومة، لكن من ضمن تسوية معينة هي ربما «سلة» او «جزء من سلة» أو «صيغة ما»، عنوانها القبول بعون رئيساً للجمهورية والذهاب الى انتخابه يليه الاتفاق على رئاسة الحكومة وفق توافق معين وإعداد قانون انتخابي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ومن ثم تطوير الحوار للوصول الى ترسيخ كل قواعد الحلول.
ما الذي يقصده السيد نصرالله من هذه الرسائل الإيجابية؟
ترى الاوساط نفسها، ان الامين العام لـ «حزب الله» يشجع رئيس «تيار المستقبل» على مغادرة دائرة التردد، والمضي في خيار عون استناداً الى ما يبني عليه الاخير من ان هناك تغييراً ما لدى الحريري، اي حسم خيار عون رئيساً ليحسم في اليوم التالي للانتخاب موضوع رئاسة الحريري للحكومة وفتح الأفق على تسوية سياسية كبيرة.
ـ البعد السوري، منذ اليوم الاول للازمة السورية، كان موقف السيد نصرالله واضحاً بوجوب التوصل الى تسوية سياسية وحتمية ذلك، بما يوفّر على سوريا الخراب والدمار والدماء، وهذه الإمكانية للوصول الى التسوية لا زالت قائمة، لأن السير بالحرب الى ما لا نهاية امر غير ممكن، وهناك امكانية للوصول الى تسويات برغم استمرار الجهات العربية والإقليمية والدولية بدعم الارهابيين. ولعل خطاب «السيد» يشكل استكمالاً للخطاب الماضي الذي توجه فيه مباشرة الى السعوديين بوقف دعم الإرهاب.
تؤكد الاوساط ان كل ما طرحه السيد نصرالله في خطاب «بيت العنكبوت الثاني» هو للتأكيد أننا أقوياء في الميدان وفي السياسة، «ولا يتوهّمن أحد ان معركة صغيرة او كبيرة تربحونها في حلب أو غيرها ستغيّر المعادلات».