Site icon IMLebanon

خطاب «الانتحار» يستفز القوى المسيحية

«ما تفعله بعض القيادات المسيحية هو مزايدة ورسالة نحو المزيد من الانتحار الذاتي. وإذا كان البعض منهم لم يتعلّم من تجارب الماضي، فهذا مؤسف، لكننا لن نسير معهم في هذا الانتحار، وهم أحرار في النهاية ولا نريد أن ننحر وننتحر معهم».

هو موقفٌ «ناري» أطلقه رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط في وجه القوى المسيحية «المقاطعة»، أقلّه حتى الساعة، للجلسة التشريعية المرتقبة يومي الخميس والجمعة المقبلَين، إلا أنّه ليس «يتيما» أو «معزولاً»، إذ إنّه يتلاقى مع موقفٍ آخر من وحي «الانتحار» لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وإن كان أكثر «لطفاً»، بحيث اعتبر أنّ البلد برمّته سيسير نحو «الانتحار» في حال لم تُعقَد الجلسة الموعودة.

وبطبيعة الحال، لم ينزل «خطاب الانتحار» هذا بردا وسلاما على القوى المسيحية، التي شعرت بـ «الاستفزاز» بأعلى درجاته، ولعلّ «الردّ اللاذع» على جنبلاط من قبل «صديقه» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والذي ذهب لحدّ القول أنّ «من الحبّ ما قتل»، مع ما لهذه العبارة من معانٍ ضمنيّة، خير دليلٍ على ذلك، وكذلك حرص المسيحيين على الخروج بموقفٍ موحّد، وبـ «مباركة» الكنيسة المارونية، في رمزيّة لا يمكن المرور عليها.

وتتلاقى مصادر نيابية في «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» على الحديث عن «تحامُلٍ واضحٍ» في اتهام المسيحيين بـ «الانتحار»، لا لشيء إلا لأنّهم يتمسّكون بإدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية، وهو ما لا يفترض أن يكون مطلب الكتل المسيحية فقط بل مطلب جميع الكتل من دون استثناء، إلا إذا كان البعض يريد تثبيت المقولة التي تنتشر كالنار في الهشيم عن أنّ البرلمان الممدّد لنفسه بدأ يُعِدّ العدّة لـ «التمديد الثالث» خلافاً لإرادة الشعب، أو أنّ هناك نوايا مبيّتة ومضمرة بالإبقاء على القانون الانتخابي العقيم الحالي، لغايةٍ في نفس يعقوب، قد لا تكوى سوى الاستمرار في مصادرة التمثيل المسيحي.

من هنا، فإنّ حديث المرجعيّات السياسية عن «ميثاقيةٍ مؤمّنة» للجلسة المرتقبة لا يزيد الطين إلا بلّة، خصوصًا أنّ المقصود بهذا التعبير، كما تقول المصادر، أنّ هناك عدداً من النواب المسيحيين المنضوين في الكتل غير المسيحية، على غرار «كتلة المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» و«كتلة التنمية والتحرير»، سيشاركون في هذه الجلسة، في حين أنّ القوى المعطّلة «تناضل» من أجل عدم وصول هؤلاء النواب الذي لا يتمتعون بأيّ حيثية مسيحية يُبنى عليها إلى الندوة البرلمانية، وهي تستغرب في هذا الإطار كيف أنّ النائب أحمد فتفت مثلاً يعلن أنّه لن يشارك في الجلسة «تضامناً» مع الكتل المسيحية في حال قاطعتها، وإن لم يكن يوافقها الرأي، في حين لا يتردّد زملاؤه «المسيحيون» في «كتلة المستقبل» من إعلان استعدادهم للمشاركة فيها لتأمين «غطاء مسيحي» يبدو أكثر من منقوص.

وعلى الرغم من إقرار هذه المصادر بأنّ هذا «الفرز الطائفي والمذهبي» للكتل والنواب ليس «مبشّراً»، إلا أنّها تشير إلى أنّ «خطاب الانتحار» ليس موفّقاً أبدا، وتقول: «إذا كان البيك يقول أنّ البعض لم يتعلّم من تجارب الماضي، فالأحرى به أن يتّعظ هو من هذه التجارب، التي، إن دلّت على شيء، فعلى أنّ البلد لا يقوم إلا على جناحيه المسلم والمسيحي، وأنّ تهميش أو تجاهل أيّ فئة من فئاته لن يجلب للبلد سوى المزيد من الخراب والدمار».

برأي هذه المصادر، فإنّ «الانتحار» لا يكمن في التمسّك بقانون الانتخاب، الذي بات القاصي والداني يدرك أنّه «مفتاح الحلّ» الحقيقيّ لمختلف الأزمات التي يتخبّط فيها الوطن، خصوصًا أنّ التمثيل العادل والشفّاف وحده قادرٌ على التأسيس لخارطة طريق الحلّ، بل إنّ «الانتحار الحقيقي ليس سوى تحدّي شريحة كاملة متكاملة كما يفعل البعض اليوم بالإصرار على عقد الجلسة التشريعية رغمًا عن أنف المسيحيين».

وإذا كان السؤال الأساسي الذي تطرحه القوى المسيحية هو «لماذا لا يُدرَج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية؟» تفضّل مصادر نيابية، من مؤيدي عقد الجلسة في المقلب الآخر، عكس السؤال ليصبح «ماذا لو أدرِج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية؟»

تشير هذه المصادر إلى أنّ ما يحول دون إدراج هذا القانون ليس فقط أنّ هناك سبعة عشر قانوناً مختلفًا في أدراج المجلس النيابي لا يحوز أيٌّ منها على التوافق المطلوب، بل لأنّ «السحر قد ينقلب على الساحر» بكلّ بساطة، باعتبار أنّ الكثير من هذه القوانين، إذا لم تكن كلّها، ستسقط على الأرجح بالضربة القاضية إذا ما طُرِحت على التصويت، وعندها لن ينفع الندم أياً من الكتل المسيحية، خصوصًا أنّها كانت تدرك أنّ مقوّمات التوافق لم تكن متوافرة مسبقاً، وأنّ «الفيتوهات» الموجودة خصوصًا على مبدأ »النسبية» من شأنها القضاء على كلّ الطموحات المشروعة بقانونٍ انتخابي حضاري.

ولكن لماذا لا يقوم بري بإضافة قانون الانتخاب على جدول الأعمال ولو «لرفع العتب»، حتى تتمكن القوى المسيحية من المشاركة في الجلسة و«حفظ ماء وجهها» أمام جمهورها في الوقت عينه؟ تقول المصادر أنّ هذا «السيناريو» مرفوضٌ جملة وتفصيلاً، وتلفت إلى أنّه إذا كان صحيحًا، فهو لا يدلّ فقط على أنّ هناك من يريد «الاحتيال» على المواطنين، بل على أنّ موضوع قانون الانتخاب دخل «بازار المزايدات»، وتشير إلى أنّ «الخلاص منه» لا يكون إلا بموقفٍ موحّدٍ للقوى المسيحية بتغليب المصلحة الوطنية العُليا والمشاركة في الجلسة جماعيا، لعدم السماح لأحد بالمزايدة على غيره.

إلا أنّ هذا الموقف يصطدم مع منطق القوى المسيحية وترتيبها للأولويات، باعتبار أنّ قانون الانتخاب برأيها هو المصلحة العُليا التي لا تعلو فوقها مصلحة أخرى. ووسط منطق «التحدّي» و»المزايدات» هذا، يبدو أنّ «الشراكة» باتت بحاجة لمن يعرّفها عن حق، في زمن ضياع المفاهيم والثوابت…