عندما سنسمع أو نقرأ كلاماً للرئيس نبيه بري من نوع ما قل ودل عن المملكة العربية السعودية بمثل الكلام الذي قاله في «الخطبة الصدرية» يوم الأربعاء الماضي (30-8 -2017) عن الكويت بالروحية نفسها التي سبق أن تمثلت بقول الرئيس سعد الدين الحريري للأمير الشيخ صباح الأحمد عندما إجتمع إليه في الكويت يوم الأحد 13 آب 2017 «إن لبنان بلدكم ونعتبر أمن الكويت من أمن لبنان»، فإن حالة من الإرتياح النفسي ستغمر النفوس اللبنانية ومن دون إستثناء، أي شيعية كانت أم سُنية أم درزية أم مارونية أم أرثوذكسية أم كاثوليكية أم أرمنية أم علوية أم كردية. ذلك أن هذه الأطياف اللبنانية تدرك تمام الإدراك أن إنقشاع السُحب الرمادية من أجواء العلاقة اللبنانية مع السعودية ستضع لبنان في حالة من الإستقرار الذي يقود إلى الإزدهار ومن الطمأنينة التي تنهي حالة الإحباط المستشرية بفعل مواقف يتسم التعبير عنها بما هو خارج أصول التخاطب.
نحن وسائر اللبنانيين الكاتمين الغيظ الصابرين على الضيم الناشىء عن إرتباكات متواصلة في التعامل الإستنسابي مع المحيط العربي وكيف أن لكل عهد دبلوماسي الوزير الذي يعتبر أن سياسة لبنان تكون مِن سياسته، نتمنى الأخذ بما دعا إليه الرئيس بري في «الخطبة الصدرية» حول «علاقة الحاجة المشترَكة» مع سوريا. كما لا بد يلقى كلامه حول الأزمة مع الكويت وتحديداً عبارته الجازمة «سنمنع إيجاد أي شرخ في العلاقات مع دولة الكويت التي إنحازت دائماً إلى جانب لبنان أميراً وحكومة ومجلساً» بداية طمأنينة في النفوس تكتمل عندما تصدر عن الأمين العام ﻟ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطبة آتية عبارة مماثة لعبارة الرئيس بري، إلاّ إذا كانت كلمة «سنمنع» هي نتاج تباسُط في الأمر بين الأستاذ والسيد يرتق فيها دولة الرئيس ما تحول وضعية سماحة السيد دون إتمام عملية الرتق تلك.
ونفترض أن الرئيس بري بطريقته في إطلاق الرسائل من خلال كلام يقال في خطبة أو في مجلس يكون فيه الكلام من أجل جس النبض أو حتى لرميْ إقتراح يصار إلى التداول في شأنه، أبدى أمام المسؤولين الإيرانيين وجهة نظر في أهمية صفاء العلاقة السعودية – الإيرانية على أحوال لبنان، وأن ترجمة هذا الأمر تكون بتحويل لبنان من ساحة صراع إلى منصة تقريب وجهات النظر يمارس الدور الذي يمارسه أمير دولة الكويت في شأن الأزمة السعودية- الإماراتية- المصرية مع دولة قطر. مع ملاحظة أنه رغم كثرة سعاة التوسط وجُلُّهم من كبار الشأن الدولي وهذا لم يسبق أن فعله الأميركي والروسي والبريطاني والفرنسي والألماني والصيني مع أزمة من الأزمات وخصوصاً الموضوع الفلسطيني العاثر الخطى والحظ، يبقى المسعى الذي لا يلغيه مسعى ليس فقط لأن شيمة الشيخ صباح هي الصبر بحكم السنوات الدبلوماسية على مدى عقود واجه فيها ما هو المر وأحياناً الأكثر مرارة من القضايا الخلافية العربية ووحدها محنة الغزوة الصدَّامية خير مثال على صبره، وإنما لأنه الوسيط الذي ينطلق في سعيه من الحرص على إخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي يريد لهم الخير وهو في ذلك نقيض الكبار باذلي السعي الذين يتحركون من خشية إنفراط عِقْد مجلس التعاون الخليجي على مصالحهم مع تنوع هذه المصالح التي تراها دولة دون أُخرى. ورغم تطويل الأزمة مع دولة قطر، ولا تتذكر بعض الألسنة وبعض الأقلام القُربى وهي لو تذكرت لفاضت كلاماً طيِّباَ نقيض كلام كثير سمعناه أو قرأناه، تبقى وساطة الشيخ صباح ثابتة يريدها الطرفان، أو بالأحرى لا يضجر الأمير مِن عدم التوصل إلى الحسم، لأن الوسيط هنا أخ بين أخوة أصابتْهم حالة توعُّك حاد في العلاقات في ما بينهم، وهو يربح في وفاقهم ومن دون أن تكون هنالك لديه «أجندة» كما «أجندات» أعدها الوسطاء الكبار الآخرون من أجل تفعيلها بعد حدوث التصافي وسكوت الطلقات الكلامية الأشبه أحياناً بقذائف من صواريخ قصيرة المدى.
وثمة نقطة مهمة مرتبطة بمسعى الشيخ صباح ورؤيته وهو أنه مضيف القمة الخليجية الثامنة والثلاثين يوم 6 كانون الأول 2017 التي ربما يتطلع إلى أن تكون أجواؤها بمثل القمة الإقتصادية يوم 19 كانون الثاني 2009 وذهبت مثلاً، بل وأمثولة، نتيجة الموقف التسامحي الذي أطلقه الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمة الله عليه وبموجبه كانت إستعادة الرئيس بشَّار الأسد إلى بني قومه العرب ما دام الملك عبدالله تجاوز الإساءة اللفظية البشَّارية وجاراه الرئيس حسني مبارك في تسامحه هذا. لكن الإستعادة ما لبثت أن تراجعت أمام إغراءات إيرانية في علم الغيب إمكانية حدوثها سال لها لعاب النظام في سوريا أو بعض أركانه فكان الذي كان وما زال في سوريا. وربما يكون الشيخ صباح يتطلع في تلك القمة التي سيستضيفها إلى خطوة من جانب أطراف أزمة قطر بمَن فيهم الرئيس السيسي بإفتراض مشاركته كضيف شرف إلى أن تتكرر مفاجأة القمة الإقتصادية، على أن لا يفعل الشيخ تميم ما فعله الرئيس بشَّار بعد القمة الإقتصادية.
وبالعودة إلى ما بدأناه كنوع من التأمل في اﻟ «الخطبة الصدرية» للرئيس نبيه بري، نرى أنه عندما يقول دولة الرئيس بعد التنويه بتوضيحات السيد حسن ومبادرة الرئيس سعد الحريري «إننا نؤكد أن ما يجمع بين لبنان والكويت الكبير الكبير والكثير الكثير من الجوامع» فإن تقديره لهذه المساندة الكويتية للبنان ومنها مشروع الليطاني بمنسوب اﻟ 800 متر ستحمله عندما تحين خطبة لاحقة أو بعد زيارة تأجلت كثيراً للمملكة على أن يرى أن ما يجمع لبنان والسعودية هو الأكبر والأكثر قبل إتفاق الطائف وبعده، وأن لبنان الشعب المكتوي بجمر المواقف الإستنسابية في إنتظار ما سيقال بعد القيام بتلك الزيارة التي تؤكد عودة الصفاء إلى أجواء العلاقات، وهو أمر يشارك اللبنانيين ترحيبهم به الأمير الشيخ صباح الذي سيسمع منه الرئيس دونالد ترامب، المهموم والمهتم بالمباغتة الكورية الهيدروجينية، غداً في البيت الأبيض ما من شأنه تنبيه الإدارة الأميركية إلى عواقب التسويف في موضوع الحل بصيغة الدولتيْن للصراع العربي – الإسرائيلي. والله المعين.