بعد استِنفاد حراكه في اتجاه القوى المسيحية، بالموفدين الروحيين المُحمّلين برسائل «نصح»، وجدَ البطريرك بشارة الراعي ومعه أبناء كنيسته أن بداية الحل قد تكمُن في الدعوة إلى خلوة روحية، تاركاً الأمر للصلاة. «فإنها قد تفعَل الأعاجيب».
لن يهدأ لبكركي بالٌ، قبلَ إقناع الرابية ومعراب والصيفي وبنشعي بنجاعة الاتفاق على الاستحقاق الرئاسي، وليسَت دعوتها الأخيرة للنواب المسيحيين الـ 64 إلى الخلوة في 5 نيسان المقبل سوى جولة جديدة من عمليات التوفيق. هو أمرٌ يدركه جيداً النواب كما قادتهم، لكن الدعوة هذه المرة لا يُمكِن أن تُردّ ولا يُمكن لتلبيتها أن تكون مشروطة. لذا لم تتأخر القوى السياسية المسيحية في الإعلان عن موافقتها على حضور الخلوة التي ستُعقد منتصف أسبوع الآلام في بيت عنيا – حريصا حيث سيكتمل النِصاب المسيحي بهدف الاختلاء الروحي.
تعلَم بكركي أن «البيتَ الماروني» ليس على ما يُرام، وهو يتخبّط داخلياً بالتغييرات قبلَ أن تُنهِكه الساحات الخارجية. تماماً كما تعلَم أن تخبّطه يؤدي إلى خسارة معارك سياسية. وعزّ على بكركي أن لا يكون لصوتها تأثيره في مسار الحوار بينَ أبنائها الموارنة، وتحديداً في عملية إنتاج رئيس للبلاد. وهذا ما دفعها إلى إحياء مبادرتها تعويضاً عن إجهاض طرحها الأول لعقد اجتماع رئاسي، والذي أتى على أيدي بعض القوى (مثل القوات اللبنانية) التي وضعت شروطاً للمشاركة رفضها التيار الوطني الحر.
هذه المرة، أدى تغليف الراعي دعوته بعنوان «صوم وصلاة استعداداً لعيد الفصح المجيد» إلى قبول كل النواب المسيحيين بها، ولا سيما أنها لم تُشِر إلى أي جدول أعمال سياسي. لكن تناولها لا يكاد يخلو من السياسة. إذ اعتبر بعضهم أنها «محاولة استدراج لإحداث اختراق في الجدار الرئاسي المسدود بعد فشل المبادرة التي كلّف فيها المطران أنطوان بو نجم». يقول هؤلاء إن «بكركي تبحث عن دور لم تستطِع انتزاعه في السياسة، وإن الهدف الأول من هذه الدعوة هو الحصول على صورة جامعة بخلفية روحية»، مصدّرين حكمهم الأول عليها بالفشل فهي «ستنتهي كما بدأت، وتظهر أن المسيحيين إخوة في الإيمان، فقط»!
لا يعوّل النواب المشاركون في الخلوة على تحقيق أي تقدّم، في ظل خلافات كبيرة في الرؤية والموقف حول الأزمة اللبنانية وآليات الحل»، ولكل من الأطراف «مشروع مختلف ومعايير مختلفة للرئيس العتيد». فأصحاب المعايير «السيادية» من قوات وكتائب ومستقلين يؤكدون «انعدام فرص الالتقاء مع التيار الوطني الحر على رئيس للجمهورية، معتبرين أن نقطة التقاطع الوحيدة تكمن في رفض رئيس تيار المردة سليمان فرنجية». أما بالنسبة إلى جدول أعمال الرئيس ومشروع العهد الرئاسي الجديد ،فإن «الاختلاف كبير ولا يُمكن حله، ولا حتى بأعجوبة». هؤلاء يعتبرون بأن «هناك مشروعين سياسيين مختلفان في البلد، أحدهما إصلاحي حقيقي يمثلونه هم، وآخر إصلاحي وهمي يمثله التيار الوطني الحر الذي يسعى إلى انتزاع غطاء مسيحي بعدَ افتراقه عن حزب الله».
أما التيار الوطني الحر، الذي كانَ من أكثر المتحمّسين لمحاولات بكركي الجامعة، فتؤكد مصادره تلبية الدعوة، مكررة أن «التيار لم يطرح أسماء رئاسية بل وضع مشروعاً يحمل عناوين اقتصادية فضلاً عن الاستراتيجية الدفاعية ومحاربة الفساد». وعلى عكس القوى الأخرى، لم تنع المصادر مبادرة بكركي بل تحدثت «عن تعديل اللائحة الأولى التي حملها موفد بكركي وتضمنت عدة أسماء من بينها جهاد أزعور، صلاح حنين، روجيه ديب، زياد بارود، فريد الخازن ونعمة افرام وآخرون»، معتبرة أن هذا الحراك «يفتح نافذة للحوار كون الجولات التي قامَ بها أبو نجم هدفت إلى تقريب وجهات النظر للوصول إلى تقاطع على أحد الأسماء المطروحة». وبالنسبة إلى الخلوة الروحية فقد كانَ التيار أول المبادرين إلى إبلاغ بكركي حضور نواب تكتل «لبنان القوي» لأنها «ستكون فرصة لتدعيم الاتصالات الجانبية الرامية إلى دفع القوى المسيحية لتحمل المسؤولية والتنسيق معاً للاتفاق على مسار حلّ في المشروع الرئاسي».