Site icon IMLebanon

القمة الروحية  شركة ومحبة في دار الفتوى 

في رسالته إلى الكونغرس، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما:

إننا نخوض حرباً مجهولة المدة.

لعلَّها المرةُ الأولى في تاريخ الحروب يستخدم فيها رئيسٌ أميركيّ هذا المصطلح، ربما لأنَّ أوباما يعرف أنَّ هذه الحرب قد تطول أكثر من ولايته الثانية، وقد يورثها للرئيس المقبل، إنَّها من طبيعة حروب هذا العصر، التي يتوارثها الرؤساء من ولايةٍ إلى ولايةٍ أخرى.

هذه الحرب المجهولة المدة، تُشنُّ في الشرق الأوسط، ما يعني أنَّ المصير الغامض للمنطقة هو أيضاً مجهول المدة، ولأنَّ لبنان جزءٌ من هذه المنطقة فإنَّ مستقبله مجهولٌ أيضاً!

قلةٌّ من المتبصِّرين بالأمور أبدوا، وما زالوا، قلقهم مما كان يجري سابقاً، ومما يجري اليوم، فهل يُعقَل أن يُواجَه المجهول بالفراغ؟

من بين الذين تساءلوا ومازالوا يتساءلون، بأسى، عن هذا الفراغ غير المبرر، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي ما انفك منذ ما قبل موعد الإستحقاق الرئاسي وحتى اليوم، يرفع الصوت منبِّهاً ومحذِّراً ومطالباً بإعادة تكوين السلطة.

صرخته المدوِّية كانت في دار الفتوى حين زار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مهنِّئاً، لمناسبة تنصيبه مفتياً. حيث وجَّه كلمةً أقلُّ ما يُقال فيها إنَّها وثيقة وطنية، ومما تضمنته هذه الوثيقة قوله:

لا يحقّ لنا بعد أربعٍ وتسعين سنةً من حياة الجمهورية، وبعد صدور وثيقة الوفاق الوطني وإدراجها في الدستور، وبعد تثبيت الميثاق الوطني وصيغته التطبيقية، أن نتساءل:

أيُّ لبنان نريد؟.

أو أن نتكلّم عن مؤتمر تأسيسي، أو عن مثالثة. ولا يحقّ لأيِّ فئةٍ أو مكوّنٍ أو تحالفٍ سياسيٍّ أو مذهبيّ أن يُهيمن على البلاد، وينحرف بالديمقراطية التوافقية عن غايتها وهي خير البلاد العام، بل المطلوب الولاء للبنان أوّلاً والتقيّد بالدستور والميثاق وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني نصاً وروحاً، وسدّ الثغرات الدستورية التي تتسبّب بتعثّر سير المؤسسات الدستورية، بعد خبرة دامت خمساً وعشرين سنة.

حنكةُ وحكمةُ الكاردينال الراعي جعلته يقول هذا الكلام عشية القمة الروحية التي ستنعقد اليوم الخميس في دار الفتوى، صحيح أنَّ بعض البطاركة سيغيبون عن القمة، بداعي السفر، ومنهم بطاركة الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن والسريان، لكن سيحضر من يُمثِّلهم إلى جانب رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى الموجودين في لبنان.

وحنكةُ وحكمةُ الكاردينال الراعي جعلته يتجاوز ما كان يُقال عن إنَّ البطريرك يُزار ولا يزور، فمن أجل المصلحة الوطنية العُليا كسر نيافته هذا التقليد، فهو يزور المناطق والمقرات والدول ويشارك في المؤتمرات، وكلُّ ذلك من أجل المصلحة الوطنية العُليا التي لا تعلوها أي مصلحة.

في هذا السياق ستكون القمة الروحية التي ستُعقَد اليوم، وسيكون سقفها كلام الكاردينال في دار الفتوى، وأهميتها في حضور جميع ممثِّلي الطوائف، وما سيصدر عنها سيكون سقف جميع اللبنانيين لجهة الثوابت الوطنية، إنطلاقاً من حفظ الإستقرار الداخلي وسلوك نهج الإعتدال ونبذ التطرف.

إنَّها عبارة عن إضاءة شمعةٍ في هذا النفق المُظلِم، لكن أهميتها أنَّها تُبقي الذاكرة منشَّطة حول وجوب ملء الفراغ.

هواة التاريخ تذكَّروا أنَّه يوم 23 أيلول، أول من أمس، الذي كان الموعد الثالث عشر لجلسة إنتخاب الرئيس، التي لم تنعقد، وقد تزامن مع تاريخ إنتخاب الرئيس الراحل كميل شمعون.

إثنان وستون عاماً على هذه الواقعة… أين كنا؟

وأين أصبحنا!!