موسكو تكرّر تحذير واشنطن من الاقدام على توجيه ضربة عسكرية الى دمشق. وهي تتحدث عن معلومات في هذا الشأن لدى وزارة الدفاع الروسية، ليس واضحا ان كانت دقيقة أو وسيلة لتحقيق أهداف ضمن الاستنفار العسكري والسياسي والديبلوماسي والاعلامي الروسي في حرب سوريا. لكن الواضح هو تغطية الروس للعملية العسكرية التركية في عفرين، وتغطية الأتراك للعملية العسكرية الروسية والسورية والايرانية في الغوطة الشرقية. أما القلق المعبّر عنه في عواصم المنطقة والعالم حيال تهجير مئات الآلاف من المدنيين في منطقة عفرين والغوطة، فانه مجرّد رفع عتب شكلي لا يقدّم ولا يؤخّر. كذلك الأمر بالنسبة الى ابلاغ دمشق الى الأمم المتحدة الاعتراض على الاحتلال التركي لأراض سورية.
وليس خارج المألوف في سلوك رجب طيب أردوغان ان يعلن الرئيس التركي بعد احتلال عفرين انه سيكمل العملية العسكرية الى منبج وكوباني ورأس العين وصولا الى القامشلي وربما الى داخل العراق. لكن المقايضة بين عفرين والغوطة مع الرئيس فلاديمير بوتين تتوقف هنا، لتبدأ الحاجة الى تفاهم مع الرئيس دونالد ترامب أو الى قرار بالمواجهة مع القوات الأميركية الداعمة للقوات الكردية. واللعبة صعبة في الحالين. فلا أحد يصدّق ان كل ما قام به وأراده
أردوغان هو عملية أمنية للتخلص من الارهاب الكردي، ثم اعادة الأرض الى أصحابها. ولا مجال لتصور ان كل ما قامت وتقوم به أميركا عسكريا في الجزيرة والبادية هو عملية مجانية لدعم الكرد ثم التخلّي عن كل شيء لتركيا بعد التخلص من داعش.
واللعبة أبعد من تركيز موسكو وطهران على المطالبة بسحب القوات الأميركية باعتبارها قوة احتلال، ومن تركيز واشنطن على اخراج القوات الايرانية من سوريا ومطالبة روسيا بالمساعدة على ذلك. ولم يعد الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا قادرا على الاستمرار في إغماض عينيه لئلا يرى ما يراه الجميع، وما تحدث عنه مؤخرا وهو إن التقسيم الهادئ والطويل المدى لسوريا سيكون كارثة ليس فقط على سوريا بل أيضا على المنطقة بأكملها.
لكن التقسيم الهادئ يحدث بالنار، حيث تسيطر كل قوة اقليمية ودولية داخل سوريا بمزيج من القتال على الأرض ومن المقايضة والتفاهم في الكواليس. والكلام على تسوية سياسية بين السوريين بقيادة سورية هو شعار لتغطية المرحلة الحالية من التسوية: توزيع مناطق النفوذ بين روسيا وأميركا وايران وتركيا.
والمفارقة مذهلة بين قول الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى لصحيفة كيهان ان ايران تحارب في العراق وسوريا لتبعد خطر التقسيم عنها وبين واقع التقسيم الاقليمي والدولي في سوريا.