تترقب الأمم المتحدة بمزيج من القلق الجديد الآتي من الولايات المتحدة مع الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيليرسون وسفيرته نيكي هايلي، ليس على صعيد العلاقة مع الأمانة العامة للأمم المتحدة في عهد الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس فقط، وإنماعلى مستوى انعكاس العلاقات الأميركية الثنائية مع كل من الصين وروسيا على المسائل الإقليمية المطروحة في المنظمة الدولية.
ردود الفعل، بناءً على مقابلات مع عدد من سفراء دول مهمة ومحورية، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم أو الإشارة إلى دولهم، تفيد بأن هناك انقساماً بينهم في النظرة إلى الرئيس الأميركي الجديد، فالعالم ليس مصطفّاً في الكتل التي ميّزت حقبة الحرب الباردة في زمن القطبين. وما يراقبه سفراء الأمم المتحدة وأمانتها العامة يصب في علاقة جديدة تتبلور بين الولايات المتحدة والصين وروسيا– ثلاثي الحقبة الآتية- بين مد وجزر وتحالفات لافتة ليست تقليدية.
«الحسرة على الولايات المتحدة، فالخسارة خسارتها» قال سفير دولة آسيوية مهمة، فهي التي «ستفقد القيادة والنفوذ الدوليين، وهي التي ستدفع اقتصادياً ثمن سياسات كتلك نحو الصين». وتابع: «إن الانعزالية الأميركية لا تؤذينا نحن، فالعالم قادر على التعايش معها. إنها ستؤذي أميركا في الدرجة الأولى، لأنها ستخسر بدلاً من أن تكسب».
رأي سفير هذه الدولة الآسيوية التي تتأثر جداً بسياسات الصين وروسيا والولايات المتحدة، أن «انسحاب أميركا سيؤدي إلى صعود الصين، فهي جاهزة لملء الفراغ».
«إنما الخوف، كل الخوف من أن تتفاقم المشاكل الإقتصادية الأميركية نتيجة سياسات حمقاء يتعهّدها ترامب، ثم يقرر أنه في حاجة الى حرب في مكان ما لتعويض الخسارة».
سفير دولة عربية مهمّة توقَّعَ أن تكون علاقة ترامب مع الأمم المتحدة «عاصفة»، فتصريحاته تفيد بأنه لا يعير المنظمة الدولية بالاً «ولا يوليها وزناً»، وإنما قد تكون «مجالاً خصباً للبطولات والانتصارات فمن السهل استهدافها». وتبرز مسألتان أساسيتان في هذا الإطار هما: «موازنة الأمم المتحدة، وإسرائيل». وأضاف الديبلوماسي المخضرم أن «العلاقة الصعبة في هذا البحر الهائج تشكل تحدّياً كبيراً للأمين العام الجديد». والكل يراهن على شخصية غوتيريس وقدراته لاحتواء العاصفة».
على رغم ذلك، يتوقع السفير «تطوّراً إيجابياً» في المواقف الأميركية تجاه كل من فلسطين واليمن وسورية، في إطار التغيير في العلاقة الأميركية- الإيرانية.
فلسطين مرشّحة للتطور الإيجابي «لأن القضية جذّابة للإنجاز التاريخي، هناك اهتمام مباشر للرئيس ترامب بالمسألة، وزير خارجيته مطّلع ويعرف المنطقة، وهو كلّف صهره أن يبذل جهداً جدياً، وهذا تكليف شخصي نيابة عن الرئيس»، قال السفير. وزاد «ثم إن ترامب ليس مديناً لقوى اللوبي الإسرائيلي، وهو أكثر قدرة على الحزم والحسم من الرئيس السابق باراك أوباما». وأوضح أن إدارة أوباما «وضعت القواعد في القرار الأخير لمجلس الأمن ومهّدت الطريق للتحرك». واعتبر كلام ترامب ومرشحيه عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس «بلاغيات يطرحها الرؤساء، إنما عند الجد تتغير السياسة». ويتوقع سفير آخر مهتم بانعكاس السياسات الأميركية على القدس «أن تتخذ إدارة ترامب خطوة ما باتجاه إسرائيل في هذه المسألة، لأنه لا يعتزم التراجع كلياً عن تعهداته نقل السفارة. ولكن الصِّيَغ تُبحث في كيفية التمييز بين القدس الغربية والقدس الشرقية بصورة جديدة ومهمة. فلننتظر ونرَ».
كما يتوقع الديبلوماسي لدى الأمم المتحدة «تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، الشخصية منها والديبلوماسية». وهذا «سينعكس على اليمن وسورية والعلاقات العامة مع دول الخليج». ويوضح أن «نظرة ترامب وفريقه إلى دور إيران في المنطقة تقترب أكثر مع نظرة دول مجلس التعاون الخليجي»، وهذا سينعكس على اليمن في الدرجة الأولى.
ويتابع السفير أن «إدارة ترامب ستتخذ مواقف مغايرة لتلك التي اتخذتها إدارة أوباما، لأن نظرتها تجاه إيران مختلفة وعلاقاتها مع السعودية حميمية». ويزيد أن «إدارة أوباما مارست ضغوطاً شديدة لتمرير خريطة طريق جون كيري عبر المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ متلمسة الأعذار لمصلحة علي عبدالله صالح والحوثيين، ما أدى إلى التصلُّب في مواقفهما وهذا سيتغيّر في عهد ترامب».
في الموضوع السوري، يرى الديبلوماسي أن «تحسّن العلاقة الأميركية- الروسية يجعل روسيا أكثر راحة بعد انتصاراتها في سورية، وبالتالي أكثر قدرة على المرونة مع أميركا. فروسيا حريصة على وقف النزيف في سورية». وفي ما يتعلق بالمحادثات في آستانة ومدى ارتباطها بمجلس الأمن، يقول: «قرار مجلس الأمن الأخير أكد مرجعيات جنيف ووضع آستانة تحت مظلة الأمم المتحدة، وأصبحت بمثابة تمهيد لمفاوضات جنيف بإشراف المبعوث الدولي في 8 شباط (فبراير)».
تفاؤل هذا الديبلوماسي الخليجي لا يعميه عن السلبيات التي قد تأتي مع إدارة ترامب فـ «نظراً إلى أنها من دون سجل أو أي شيء يساعد على التنبؤ بما يمكن أن تتصرف»، فإن «المجهول أكثر من المعروف»، وقد ينعكس سلباً في «خطوات غير محسوبة». ويختتم «ان هذه قفزة في المجهول، ما يسبب شيئاً من القلق والتوتر».
اللافت أن الكثير من الديبلوماسيين الأوروبيين أكثر تخوفاً من التقارب بين دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين من الديبلوماسيين الخليجيين. بريطانيا قررت الهرولة لبناء علاقة جيدة مع إدارة ترامب بعدما قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي، إنما من ضمن اعتباراتها الأساسية وراء بناء علاقة مميزة مع ترامب، هو قلقها من أن يحل فلاديمير بوتين مكان رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ناسفاً بذلك العلاقات التقليدية المميزة بين الولايات المتحدة وبريطانيا. فرنسا من جهتها، تبعث رسالة إلى واشنطن فحواها: نريد عودتكم إلى القيادة العالمية، ونحن هنا معكم صديق وفيّ يتقدّم بالنصيحة ويختلف إذا رأى ذلك في المصلحة المشتركة. هذا ما أفادت به لقاءات مع ديبلوماسيين بريطانيين وفرنسيين في الأمم المتحدة.
سفراء أوروبيون آخرون تحدثوا أيضاً، شرط حجب أسماء دولهم، وأكدوا العناصر الآتية:
أولاً: «القلق من محور يضم رجلين قويين، ترامب وبوتين» يهمل القانون الإنساني والاعتبارات الإنسانية ويركز حصراً على محاربة «داعش» في سورية. فالعالم في حاجة إلى أميركا تدافع عن القانون الدولي وتقف في وجه روسيا إذا انتهكت القوانين الدولية. إضافة إلى أن «العالم في حاجة إلى أميركا القوية التي تقف في وجه التجاوزات الروسية في سورية وأوكرانيا»، ولذلك يأتي الخوف من إمكان انعكاس العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين سلباً على هذه المبادئ الرئيسة.
ثانياً: أوروبا قلقة من «انعدام المخاطبة بين الاتحاد الأوروبي ودونالد ترامب، إلى جانب التخوف من كلامه عن حلف شمال الأطلسي (ناتو) فقد اعتبر الحلف باطلاً وبلا جدوى. وهذا يخدم الغايات الروسية مباشرة لأن أكثر ما تريده روسيا تفكيك الحلف.
ثالثاً: يقول السفير الأوروبي موجّهاً كلامه إلى الأميركيين: «انتبهوا! إذا قررتم الانسحاب من الأمم المتحدة، فإن الصين جاهزة ومتأهبة لملء الفراغ وهي تتخذ خطوات عملية استعداداً للمهمة. فبكين تعمل بصورة أكثر نعومة من روسيا، لكنها تقوم بالأفعال ذلتها، فهي في أفريقيا منذ زمن تشتري الولاء. وهي جاهزة لشراء النفوذ في الأمم المتحدة بزيادة تمويلها لتحل مكان الولايات المتحدة إذا أوقفت التمويل».
هذا الأسبوع وفي أعقاب آستانة، سيعود ملف سورية إلى مجلس الأمن، وسيبحث المجلس أيضاً في موضوع اليمن. قد يكون مبكراً افتراض أي تغيير في السياسة الأميركية في عهد دونالد ترامب. إنما من الواضح أن السفراء في الأمم المتحدة في ترقّب وقلق، لأن القفز إلى المجهول مخيف جداً.
مجلس الأمن أثبت فشله الذريع في ملف سورية، بل إنه اتُّهم بالإفلاس الأخلاقي أمام هذه الكارثة. السبب الأساس هو «الفيتو الروسي- الصيني» لإفشال تبنّي خمسة قرارات، كما يقول الديبلوماسيون الغربيون. لكن هذا التوصيف وحده ما يلبث أن يتراجع في الحديث مع الديبلوماسيين بلا نَسْبِ الكلام إليهم. فهناك إقرار بأن أوروبا اكتفت باللفظيات وأن الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما تبنّت مواقف مكّنت روسيا والصين من الوقوف في وجهها ومن تعطيل مجلس الأمن.