Site icon IMLebanon

الناطقة باسم المحكمة الخاصة لـ”الجمهوريّة”: فليحضر عياش وليُثبت براءته

 

 

بعد أن أصدرت المحكمة الخاصّة بلبنان قرارها الاتّهامي في القضيّة المتلازمة التي تتعلّق بالاعتداءات الثلاثة التي استهدفت نائب رئيس مجلس الوزراء السّابق الياس المر، النائب مروان حمادة والرئيس السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، يترقّب اللبنانيون البدء بالمحاكمة العلنيّة الغيابيّة، على الأرجح. إذ أنّ لا اسم غير اسم سليم عيّاش في متن القرار، الذي وُجّه الاتهام إليه بتنفيذ العمليّات الإرهابيّة، بالتنسيق مع مصطفى بدر الدين، الذي سقطت عنه التّهمة بعد تأكيد وفاته، وبالإضافة إلى «مجهولين» لم يستطع قاضي الإجراءات التمهيدية الكشف عن هويّاتهم. ولكن، من المؤكّد أنّ انتظار الحكم قد يَطول من أشهر إلى أكثر من سنتين، في اعتبار أنّ الإجراءات التي تسبق البدء بالمحاكمة متعددة، ومنها ما يتعلّق باختيار فريق الدّفاع عن المُتّهم وإمكانيّة قيامه بالطّعن بالقرار الاتّهامي، وغيرها من الإجراءات التي لا يُمكن توقّعها.

 

هذا ما حصل أيضاً في القضيّة الأساسيّة أمام المحكمة والمتعلّقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. إذ تأخّرت الإجراءات لأكثر من 18 شهراً. واحدة من العوائق مثلاً التي أخّرت إجراءات تحقّق فريق الدّفاع من المواد والأدلّة، واصطدامه بالقوانين اللبنانية المرعيّة الإجراء، والتي لم تُحلّ إلّا بعد مفاوضات مباشرة بين رئيس مكتب الدّفاع والدّولة اللبنانيّة. هذه واحدةٌ من العراقيل التي يُمكن أن تؤخّر البدء بالمحاكمة، ومثلها كثيرٌ من الأمثلة، خصوصاً أنّ لكلّ فريق دفاع أسلوبه واستراتيجيّاته. وبالتالي لا يمكن المقارنة بين القضيّة الأساسيّة والقضيّة المتلازمة في ما يتعلّق بالمدّة الزمنيّة.

 

وهذا أيضاً ينطبق على مسألة النّطق بالحكم النهائي في قضيّة الحريري ورفاقه، والذي يُرجّح البعض صدوره بين نهاية 2019 وبداية 2020.

 

أمّا على المستوى الرسميّ، فلا جدول زمنياً لصدور الحكم النهائي في قضيّة الحريري أو بدء المحاكمة في القضيّة المتلازمة، وفق ما تقول النّاطقة الرسميّة باسم المحكمة وجد رمضان لـ”الجمهوريّة”، مؤكّدة أنّ “المحكمة تسير في الخطوات القانونية لتأمين إجراءات محاكمة عادلة وشفّافة، مع مراعاة السرعة”.

 

مع دخول القضيّة أمس الأوّل في فترة الـ30 يوماً بعد بيانٍ وزّعته المحكمة عن “إعلانٍ سمعي بصري، وإعلانٍ عام سمعي، إضافةً إلى ملصق يتضمن معلومات عن السيرة الذاتية لسليم جميل عياش”، والذي يُعدّ “حملة إعلان عام ترمي إلى إعلام الُمتّهم بضرورة المثول أمام المحكمة ودعوة أفراد الجمهور العام إلى تقديم أي معلومات يملكونها عن مكان وجود المتّهم إلى المحكمة”، رجّح البعض أنّ انتهاء إجراءات التبليغ يعني البدء بالمحاكمة في أسرع وقت ممكن.

 

في حين، تتحدث رمضان عن “الإجراءات التي تَسبُق إعلان موعد بدء المحاكمة في القضيّة المتلازمة، كتعيين فريق للدّفاع وفريق آخر يُمثّل المتضررين والقبول بطلباتهم. كما أنّ المدّعي العام نورمان فاريل يكشف الأدلّة والمواد (وهي بالآلاف) أمام فريق الدّفاع الذي يقوم بدوره ويتقصّى عنها، ليبدأ عمله بتمثيل المتّهم على أفضل وجه. وفي الوقت نفسه، يعقد قاضي الإجراءات التمهيديّة دانيال فرانسين جلسات، يُقدّر فيها ما إذا كانت الخطوات تسير وفق جدول العمل والمراحل المطلوبة”. وتشير إلى أنّه “مع عدم إيجاد عياش، ستذهب المحكمة بعد انتهاء المراحل القانونيّة المُتسلسلة والتي تأخذ وقتاً إلى إجراءات المحاكمة الغيابيّة، وبالتالي لا يُمكننا استباق الأمور”.

 

بالطّبع، تتمنّى المحكمة أن تُحاكم عيّاش وجاهياً، خصوصاً أنّه “حتّى الآن هو متّهم وقرينة البراءة ما زالت موجودة”. ولذلك، تتمنّى رمضان “أن يُشارك عيّاش في المحاكمة لأنّ لديه حقوقاً وهو بريء حتّى إثبات العكس بمحاكمة عادلة وشفّافة”، مشدّدةً على أنّ “الجهود مستمرّة لإيجاد المتّهم، ولكن حتى الآن لا مؤشر إيجابياً الى إمكانيّة إيجاده، خصوصاً أنّ المحكمة لم تتلقَ أي معلومة تفيد عن مكان عيّاش بعد الإعلان العام الذي أصدرته المحكمة أو حتى بعد صدور القرار الاتّهامي”.

 

وإذا كان البعض يُشكّك في أن يكون المتّهم الرئيسي في تنفيذ ثلاث جرائم إرهابيّة طاولت ثلاث شخصيّات مختلفة خلال فترة زمنيّة تمتدّ بين تشرين الأوّل 2004 وتمّوز 2005، خصوصاً بعد تداول أسماء أكثر من متّهم قبل صدور القرار الاتهامي، توضح رمضان أنّ القرار الاتّهامي يستند الى مجموعة أدلّة تراكمت خلال فترة التحقيقات الطويلة، بعد أنّ وجدت المحكمة عام 2011 أنّ لها صلاحيّة النّظر في الاعتداءات الثلاثة. وقد وجد المدّعي العام أنّ كلّ هذه الأدلّة تشير إلى أنّ عيّاش نسّق مع بدر الدين لارتكاب هذه الاعتداءات، بالإضافة إلى مشاركة مجموعة من الأشخاص، لم يستطع المدّعي العام الكشف عن هويّتها ولذلك أوردها في مضمون قراره برموز (S1.S2.S3..).

 

وفق رمضان، فإنّ “عدم تسمية هؤلاء الأشخاص يؤكّد حفاظ المحكمة على أعلى المعايير الدوليّة المُتَّبعة، إذ اتّهام أي شخص يعني ضرورة وجود أدلّة كافية لاتّهامه، خصوصاً أنّ لهذا الاتهام كثيراً من العواقب”.

 

وعن إمكانيّة أن يتمّ تشكيل فريق دفاع واحد للمتّهم أو أكثر من فريق، تجيب رمضان: “مبدئياً فريق واحد، لأنّ المُتهم واحد، ومع ذلك لا يُمكننا استباق الأمور والتكّهن بما يمكن أن يحصل، خصوصاً أنّ الجهود مستمرّة لإيجاد عياش. وبالتالي هناك أكثر من سيناريو، منها: إذا تمّ إيجاده ونقله إلى عهدة المحكمة للمثول الأوّلي، يجب أن يُعيِّن بنفسه محامياً لأنّ هذا حقّه. أمّا في حال لم نجده وتمّ السير في محاكمة غيابيّة، حينئذ تعُيّن المحكمة له من خلال مكتب الدّفاع فريقاً للدفاع عن حقوقه يتمّ اختياره من لائحة موجودة لدى المحكمة”.

 

وحول النقاش القانوني الحاصل داخل الغرفة الأولى في شأن تداخل الأدوار لأحد المحاميات، لكونها رئيسة مكتب الدّفاع وفي الوقت عينه محامية في أحد فرق الدّفاع، تلفت رمضان إلى أنّ “المسألة متداولة داخل الغرفة ولا يُمكن أن نعرف ما سيكون عليه قرار الغرفة، خصوصاً أنّ هناك وجهات نظر مختلفة حيال هذه المسألة”.

 

متى تُرفع السريّة؟

أمّا عن المعايير المُعتمدة لرفع السريّة عن أي قرار اتّهامي، تشرح النّاطقة الرسميّة باسم المحكمة، أنّ المرحلة الأولى تبدأ بالتّحقيقات التي يقوم فيها مكتب المدّعي العام ثم يُقدّمها إلى قاضي الإجراءات التمهيديّة. وإذا اقتنع الأخير بأنّ الأدلّة الموجودة كافية يوقّع القرار ليصبح نافذاً لتبدأ الإجراءات التي تسبق جعله علنياً.

 

وفي القضيّة المتلازمة المتعلّقة بالاعتداءات الثلاثة، فقد تقدّم المدّعي العام نورمان فاريل بقراره الاتّهامي في 14 كانون الأوّل 2018، وصدّق عليه قاضي الإجراءات التمهيديّة دانيال فرانسين في 15 أيّار 2019، ما يعني أنّه كانت هناك نُسَخ معدّلة من القرار الاتهامي بعد أن طلب فرانسين تعديلات إضافيّة عليها.

 

وتؤكّد رمضان، أنّ “البت بالقرار الاتهامي لتأكيده أو رفضه هو عمليّة سريّة في كلّ القضايا التي تعمل عليها المحاكم كافةً، وهي تأخذ وقتاً حتى يتّخذ قاضي الإجراءات التمهيديّة قراره برفع السريّة عنه”.

 

“انتقاد المحكمة طبيعي”

تُدرك رمضان أنّ كثيراً من اللبنانيين يخلطون بين قرارات المحكمة والاستحقاقات السياسيّة الداخليّة. وهذا ما ظهر أخيراً عندما تمّ رفع السريّة عن القرار الاتهامي الثاني بصفته “مؤثراً” على الواقع السياسي. بالنّسبة اليها “هذا أمر طبيعي، وهذا حصل سابقاً عندما أُنشأت محاكم للنظر في جرائم خطيرة حصلت في أكثر من بلد، فهناك من يرحّب بالفكرة وهناك من ينتقد لأسبابٍ سياسيّة”، مشدّدةً في الوقت عينه على “أنّنا لسنا مؤسسة سياسيّة بل محكمة أُنشئت للبت في اغتيالات سياسيّة، ولكن هذا لا يعني أنّ المحكمة مُسيَّسة”. وتضيف: “إجراءات المحكمة تسير بنحوٍ قانوني وتأخذ وقتاً، ولكن لا توقيت سياسياً لأي قرار، لأنّ أولويتنا هي إقامة إجراءات عادلة وشفّافة بأعلى معايير العدالة الدوليّة”.

 

وإذا كانت المحكمة تستند في قراريها الأوّل والثاني على أدلّة ظرفيّة متطوّرة كـ”META DATA” (أي بيانات وصفيّة)، إلّا أنّ البعض يرفض الإعتراف بهذه الأدلّة كونها غير كافية بمفردها للاتّهام من جهة، وإمكانيّة أن يكون متلاعباً بها من جهة ثانية. في حين أنّ النّاطقة الرسميّة باسم المحكمة تؤكّد أنّ الأدلة التي قدّمها المدّعي العام مرتبطة بأدلّة ظرفيّة علميّة، بالإضافة إلى إفادات شخصيات و300 شاهد. وقدّم كلّ طرف خلال المحاكمات وجهة نظره، ونحن لا نعلم بأي وجهة نظر ستقتنع غرفة الدّرجة الأولى برئاسة القاضي ديفيد راي لتُصدِر قرارها”، مشددةً على أنّ “قرار الغرفة النهائي سيكون معلّلاً ومفصّلاً، وستعطي الأسباب سواء كان للتبرئة أو للإدانة”.

 

وتؤكّد رمضان أنّ “لا جدول زمنياً لصدور الحكم النهائي في القضيّة الأساسيّة المتعلّقة باغتيال الحريري ورفاقه، ولكن المحكمة تعمل لإتمام هذا الامر في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أنّ هذه القضيّة تُعتبر من أكثر القضايا تعقيداً، وكانت المحكمة الخاصّة بلبنان هي أوّل محكمة تُعنى بجرائم الإرهاب”.

 

ومع وصول القضيتين إلى نهايتهما، هل يمكن أن تنظر المحكمة بقضيّة متصلة من القضايا الإرهابيّة الـ14 التي هي اليوم في عهدة القضاء اللبنانيّ؟

تجيب رمضان، أنّه لا يمكن التكّهن بهذا الأمر، إذ أنّ لا صلاحيّة للمحكمة للبت بهذه القضايا إلّا في حال وجِد ترابطٌ بين العمليّات ووافق مجلس الأمن الدولي على هذا الأمر، موضحةً أنّ الترابط له معايير تنصّ عليها الإجراءات وهي: نسبة خطورة الاعتداء وطبيعته، طبيعة الضحايا، الدافع للجريمة، طريقة تخطيط للعملية وتنفيذها، والمكان.

 

حصة لبنان في التّمويل؟

وإذا كانت الإجراءات القانونيّة للمحكمة تسير بنحو متسلسل، فإنّ الوضع الاقتصادي في لبنان لا يمكن التكّهن به، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصاديّة التي يمرّ بها وحديث البعض عن إمكانيّة أن تؤدي إلى انهيار اقتصادي. وهذا ما يطرح سؤالاً مشروعاً عن إمكانيّة تأثير هذه الأزمة على أعمال المحكمة، إذا ما وصلت الأمور إلى حدّ إعلان الدّولة اللبنانيّة أنّها لم يعد في استطاعتها تسديد حصّتها في تمويل المحكمة، والتّي تبلغ نسبة 49 في المئة.

 

لا تملك رمضان إجابة عن هذا السؤال، مشيرة إلى “أنّنا مؤسّسة قضائيّة ولبنان لديه التزامات تجاه الأمم المتّحدة في شأن التّمويل”. وعمّا إذا كانت هناك دولة في تاريخ المحاكم الدوليّة قد أخلّت بالتزاماتها وعدم دفع حصّتها لأي سببٍ كان، تقول رمضان: “إنّ ظروف إنشاء المحكمة الخاصّة بلبنان مختلفة عن ظروف إنشاء المحاكم الأخرى، إذ أنّ لبنان هو الذي طالب بإنشائها، وسلطاته كانت على علمٍ بكافة التفاصيل، خصوصاً أن هناك اتفاقية بين الأمم المتحدة ولبنان في شأن إنشاء هذه المحكمة”.

 

أمّا عن التّعاون بين لبنان والمحكمة الخاصة، فتؤكّد رمضان أنّ “التّعاون كامل بين الطّرفين على الصعيد الأمني والقضائي وكذلك على مختلف الصّعد، خصوصاً أنّ هناك اتّفاقات موقّعة بين لبنان والمحكمة لحماية هذا التّعاون”.