وجد الموفدان الأميركي توني بلينكن، والإيراني مرتضى سرمدي أنّ اللبنانييّن منشغلون بصحن الكبيس، وأنّ إجتماع العمل الذي ضمّ وزراء الصناعة، والزراعة، والصحّة مع أصحاب مصانع الكبيس، والبراميل البلاستيكيّة قد تصدّر نشرات الأخبار.
إنه مفتاح الشهيّة على المائدة اللبنانيّة، لكنّ مائدة القصر الجمهوري خالية مهجورة منذ شهور طويلة، ومائدة القصر الحكومي يتحلّق حولها 24 من أشهر هواة الكبيس، في حين أنّ مائدة عين التينة تضمّ حوار الطرشان، والطعن بالظهر.
ماذا عن المائدة الدبلوماسيّة؟ إنها عامرة. خرائط مشرّعة للمخيّمات الحاضنة للإرهاب، وتلك التي حافظت على حدّ أدنى من «المواصفات الأمنيّة المتطابقة». هناك إهتمام غير مسبوق بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، وتداعياته المحتَمَلة.
هناك إهتمام مماثل بالحرب الإعلاميّة التي بدأها حزب الله ضدّ المملكة العربيّة السعودية، وتداعياتها المحتَمَلة في بعض المربّعات المغلَقة أمام الخطط الأمنيّة. وهناك إهتمام بالخلايا الإرهابية المتنقلة ما بين مخيمات النزوح، ومخيمات اللاجئين.
في الكولسات الدبلوماسيّة، أنّ الملف اللبناني لا يزال قابعاً وراء أبواب اللّاإكتراث. لم يخرج بعد من غرفة العناية الفائقة. لم يُطرح على مشرحة الإهتمام الإقليمي – الدولي، إنه لا يزال في عهدة كتبة التقارير، وحملة الرسائل، من الفرنسي جان فرنسوا جيرو، الى الأميركي بلينكن، الى الإيراني سرمدي، فيما الكبار أهل القرار لهم مشاغلهم، مشرذمون، بعضهم عند باب المندب، وبعضهم الآخر عند باب التفاهم الأميركي – الإيراني، ومستقبل الأدوار، وترسيم حدود المصالح، وشريحة عند بوابة الكرَملين، وموسكو 2، فيما البوابة اللبنانية بعهدة الجيش، أمّا الفعاليات بغالبيتها فمنشغلة بالكبس والكبيس.
وبكلامٍ أكثر صراحة فإنّ البوابة اللبنانية في عهدة الإستخبارات، أكثر ممّا هي في عهدة الدبلوماسيّة، وهناك مَن يجتهد في تصويب الأنظار نحو الجرد العرسالي، و«معركة الربيع»، فيما المخاوف تحوم حول بعض المخيمات، لا حولَ الجرد، وإن مروحة واسعة من الجهود والإتصالات قد بدأت على أرفع المستويات، وبإتجاه عواصم متعدّدة لدول شقيقة وصديقة لتلافي المعركتين، لكنّ الممعنين في «تفلية» الخرائط، وخلفياتها الأمنيّة والسياسيّة يتوقفون عند الآتي:
أولاً: إنّ وزير المصالحة الوطنيّة السورية علي حيدر شدّد بعد إجتماعه الى عضو اللجنة المركزيّة في «منظمة التحرير الفلسطينيّة» أحمد مجدلاني في دمشق، على أنّ «الأولوية هي إخراج المسلّحين والإرهابييّن من مخيم اليرموك ودحرهم». وهناك مخاوف دبلوماسيّة جدية في أن يكون لهذا العمل، في حال حصوله، تداعيات مباشرة على الأمن في لبنان، وتحديداً في بعض المخيمات.
ثانياً: يلتقط المرصد الدبلوماسي هذه الأيام تحركات مشبوهة، أبطالها خلايا إرهابيّة نائمة في بعض المخيمات، وعلى علاقة مباشرة مع تلك المنتشرة في الجرد العرسالي، وبعض المواقع الإستراتيجيّة على طول الحدود اللبنانية – السوريّة، وهناك خشيّة من أن يتحرّك «الجميع» دفعة واحدة لإرباك الجيش إذا ما فرضت «معركة الربيع» أوزارها على أرض الواقع.
ثالثاً: إنّ التنسيق ما بين القيادات الفلسطينيّة المسؤولة في بعض المخيمات، والقيادات الأمنية اللبنانية، تعتريه شوائب من تضليل للحقائق، وغضّ طرف عن تجاوزات، وتقنين في المعلومات، وربما إنعدام ثقة، وهذا ما يزيد من الفجوات والشكوك المتبادلة.
رابعاً: إنّ الإرهاب يعوم فوق مبالغ طائلة من الأموال، وإنّ المؤشرات المعيشيّة والإجتماعية في بعض المخيمات الحاضنة قد سجّلت إرتفاعاً غير مسبوق، وتبدّلاً واضحاً في الأوضاع الإقتصاديّة، وهذا ما جعل الخلايا النائمة في حالٍ من الإستقرار النفسي، والإطمئنان الأمني.
خامساً: على المائدة الدبلوماسيّة تقارير مخابراتية منسوبة الى «المحور المقاوم»، وتنطوي على مخاوف من إنتقال الحرب الإعلاميّة حول التورط في اليمن، الى ساحات المخيمات، خصوصاً تلك القريبة من بيئات حاضنة لحزب الله، وجمهوره، وكوادره، لتتحوّل سريعاً الى «تصفية حسابات» قديمة، وجديدة، ولا تقتصر على البعد المحلّي، بل تتمدّد وتتوسّع لتصفية حسابات بعض ما يجرى في سوريا والعراق واليمن؟!.
وهناك مَن يقول إنّ الدبلوماسي الإيراني مرتضى سرمدي جاء «ليولّعها، بدلاً من أن يطفئها»، من خلال مواقفه وتصريحاته، وهو العارف بأنّ المائدة الأمنية اللبنانية لا تحتاج الى صحن كبيس، نظراً لما تحويه من أطباق شهيّة بعضها من صنع محلّي، والكثير منها من صنع المخابرات الإقليميّة الدوليّة؟!… أوَليست مصادفة لافتة أنه في كلّ مرّة يحطّ فيها زائر إقليمي أو دولي في المطار، يلحق به مباشرة، وعلى وجه السرعة موفد إيراني للإطلاع على محاضر المحادثات؟!.