IMLebanon

ربيع ملتهب ولا مبالاة أميركية

«كانت تهدف لتسويق الاتفاق النووي مع إيران وتمرير المرحلة عبر توزيع تطمينات من دون مضامين جدية». بهذا الانطباع السلبي يُلخّص ديبلوماسيون خليجيون أهداف الزيارة المثيرة لوزير الخارجية الاميركي جون كيري الى السعودية ما بين جولتَي تفاوض بين واشنطن وطهران.

بالتأكيد، لا تملك هذه الدول قدرة التعطيل ولا قرار رفض اتفاق دولي كبير بهذا الحجم خصوصاً أنّ التوازنات الاقليمية ليست في مصلحتها، لكنّ ذلك لن يمنعها من الشروع أكثر في خريطة تحالفات جديدة تأمل منها إعادة التوازن الاقليمي في ظلّ وجود تركيا.

خلال زيارة كيري، أمطَره المسؤولون الخليجيون بوابل من الاسئلة التي تُخفي في طياتها قلقاً من المسار المستقبلي للمنطقة في ظلّ إبرام الاتفاق:

– إيران اخترقت كلّ الساحات واستولت على العراق وأصبحت في قلب سوريا ولبنان، وهي تُمسك بالعاصمة اليمنية على رغم العقوبات الاقتصادية التي تعصر اقتصادها، فكيف الحال إذا رُفعت هذه العقوبات؟

– نحن نتحرّك بعكس شارعنا ونجازف بقدرتنا على التأثير حين نضغط على سنّة الموصل من أجل تأليبهم ضدّ «داعش»، وفجأة تظهر صورة قاسم سليماني وهو يشرف شخصياً على سير المعارك، فكيف لنا أن نواجه الشارع السنّي في العراق!

– نسعى جاهدين إلى إقناع المعارضين السوريين بالدخول في تسوية سياسية على قاعدة المشارَكة في السلطة وإخراج بشار الاسد منها، في وقت ترفض إيران حتى مجرّد البحث في مصير الرئيس السوري فيما وفودكم باشرت التواصل العلني معه فيما يُشبه تجديد الاعتراف به رئيساً للبلاد.

– في لبنان نلزم حلفاءَنا الدخول في حوار مع «حزب الله» خلافاً لمزاج الشارع السنّي بهدف ضمان الاستقرار الأمني فيما الحزب يتمدّد ويمسك أكثر فأكثر بالقرار والنفوذ والحركة العسكرية.

– في اليمن، قد نقبل بتسوية سياسية على أساس المشارَكة الكاملة ولكن مَن يضمن وقف التغلغل الامني الايراني في العمق اليمني.

أسئلة كثيرة حاصرت الوزير الاميركي الذي اكتفى بإجابات مقتضَبة، مثل أنّ بلاده لم تتحقّق بعد مِن وجود سليماني في العراق، وفي سوريا لا نزال على موقفنا الداعي إلى إيجاد تسوية سلمية من دون الاسد. ولن تسمح واشنطن بتهديد البلدان الصديقة في الخليج وهذا خط أحمر الخ…

لكنّ كيري تحدّث عن أهمية إزالة خطر امتلاك ايران الأسلحة النووية وهو ما يضمن الاتفاق، وأنّ بلاده لديها أولوية ثانية وهي القضاء على خطر «داعش» الذي يُهدّد أنظمة كلّ المنطقة بما فيها الدول الخليجية. وأنّه عندما تنجز واشنطن توقيع اتفاقها مع طهران، فإنها ستفتح ملفات الساحات المشتعِلة في المنطقة وستكون الأمور مختلفة.

في الخلاصة، بات زعماءُ الخليج على يقين بأنّ الاتفاق الاميركي- الايراني أصبح مسألة حتمية حتى لو تأخر توقيعه مرة جديدة حتى حزيران المقبل، ما يعني أنّ جولة كيري هدفها تسويق الاتفاق لا التشاور الجدّي والفعلي.

كيري الذي لمَس المخاوف الخليجية طلب من القيادة العسكرية الاعلان رسمياً أنّ بلاده تتحقق من صحّة وجود سليماني في العراق، وطلب من مسؤولي وزارته تجديد التزام واشنطن موقفها من سوريا والداعي إلى تنازل الاسد عن السلطة.

كما طلب من السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل الإدلاء بموقف كُتب في واشنطن ويحمل موقفاً متشدِّداً من «حزب الله». وقد اختار هيل مكانَ الإدلاء بموقفه بعناية حيث اختار وزارة الداخلية التي يشغلها وزير سنّي محسوب سياسياً على السعودية، ويُعتبر المسؤول الاول عن أمن الساحة اللبنانية حسب المسؤولية التي يتولّاها.

لكنّ المسؤولين الخليجيين الذين يدركون جيداً أنّ هذه المواقف هي لامتصاص النقمة وذرّ الرماد في العيون يقفون امام أمرين:

الاول، تقطيع الوقت في انتظار مغادرة الرئيس الاميركي باراك اوباما البيت الابيض وشبك خيوط التواصل القوية مع الحزب الجمهوري، خصوصاً الراديكاليين منهم، كرهان مستقبلي، مع الاخذ في الاعتبار أنه بدءاً من الخريف المقبل تبدأ قدرات أوباما بالتراجع تدريجاً بسبب دخوله سنته الاخيرة في الحكم.

والثاني، العمل على تعزيز الجبهة المواجهة لإيران سياسياً وميدانياً. فعلى الصعيد السياسي تندفع السعودية في تعزيز الترابط مع قطر ومع تركيا خصوصاً، على أمل تذليل تحفّظات مصر. أما على الصعيد الميداني، فمن خلال استعادة زمام المبادرة عسكرياً في سوريا ومن أجل ذلك قطعت الاتصالات مع «جبهة النصرة» أشواطاً بعيدة لجهة طريقة «تنظيف» سجلّها الدَولي من خلال الاعلان عن خروجها عن جناح «القاعدة».

وتشير المعلومات عن رصد مبالغ كبيرة لـ«النصرة» التي تعاني من أزمة مالية بعدما طاولها قرارُ تجفيف مصادر تمويل التنظيمات الارهابية. وفيما تتولّى قطر هذا المشروع أظهرت «النصرة» موافقتها على إطلاق الجنود اللبنانيين المحتجَزين لديها ما يؤدّي الى وصول أموال سريعة اليها تحت ذريعة دفع الفدية.

وهذا ما أدّى الى توجيه ضربة قاسية لهذه الجبهة من خلال نجاح النظام في تصفية قائدها العسكري على امل عرقلة حركتها، ولو موقتاً.

لكنّ الرهان العسكري الاقوى يتمثل في تعزيز الدور التركي على الساحة السورية.

في المقابل، يتحضّر الجيش السوري ومعه «حزب الله» لمعارك الربيع في القلمون والزبداني ومناطق اخرى في الشمال السوري. معارك يريد منها النظام السوري تحسين أوراقه قبل الدخول في التسويات السياسية، فيما إيران ترى في الوقت الفاصل عن توقيع الاتفاق فرصة ذهبية لتثبيت التوازنات الميدانية لصالح إيران في منطقة الهلال الشيعي.

ويعتقد البعض أنّ إيران تريد تعزيز أوراقها العسكرية لتستطيع فرض تسوية في سوريا مقتبسة من التجربة اللبنانية، وتقوم على أساس نقل بعض صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء الذي ستتولّى المعارضة فيه رئاسة الحكومة وبعض الحقائب الاقتصادية (لم يحسم بعد موضوع وزارة المال) ولكن مع بقاء الاسد في سدّة الرئاسة، في مقابل أن يصل رئيس للجمهورية اللبنانية تكون حصة «حزب الله» فيه طاغية.

وإلّا فلا مانع من استمرار الازمة السياسية حيث إنّ أيّ توتير أمني داخلي قد يدفع الى سقوط الحكومة والدخول حكماً في مرحلة انعقاد المؤتمر التأسيسي وتغيير صيغة الحكم في لبنان.