يُنتخب العماد ميشال عون، اليوم، رئيساً لجمهورية لبنان كلّه، الذين يعرفون الرجل يجزمون أنه سيكون الرئيس الجامع حتى للذين رفضوا أن يؤيدوه… خصوصاً أولئك الذين سيصوِّتون بالأوراق البيضاء، وإن كان بعض الخبثاء يقول إن الوزير سليمان فرنجية قد أخذ بنصيحة الرئيس نبيه بري باللجوء الى الأوراق البيضاء لتغطية حقيقة الرقم الذي كان سيصوّت بالإسم ضدّ عون، على أمل أن يُعتبر أصحاب الأوراق البيضاء كأنهم كانوا سيصوِّتون لمنافس الجنرال.
وسواء أصح ما يقوله الخبثاء أم لم يصح فإنّ «الجنرال» يصل اليوم الى رئاسة الجمهورية بإرادة لبنانية كثيفة جداً. فالأكثرية المسيحية الكبرى متوافقة عليه. والأكثرية السنية الكبرى متوافقة عليه. ودعم حزب اللّه القوي منذ اليوم الأوّل لترشح عون وحتى اليوم يتحدث عن ذاته بذاته… أمّا الإجماع الدرزي فهو أيضاً واضح ومباشر وكبير مهما كانت دوافعه. وإذا كان صحيحاً أنّ الحزب القومي السوري وحزب البعث لهما تمثيل محدود في مجلس النواب، إلاّ أنهما يمثلان في الوطن عبوراً ملحوظاً للطوائف…
طبعاً هذا لا يعني في أي حال من الأحوال التقليل من أهمية الأطراف المعارضة وفي طليعتها الرئيس نبيه بري ذو الحيثية الكبيرة جداً، والوزير سليمان فرنجية الذي لا يُنكر أحد حيثيته الشعبية… وأما الكتائب فقرارها معارضة عون وفرنجية معاً استند الى «سبب موجب» غير مفهوم إذ أعلن رئيسها الشيخ سامي الجميل ان الحزب لا يؤيد مرشحين من 8 آذار علماً أنها وافقت، من بكركي، على الأربعة الأقوياء بمن فيهم الجنرال وفرنجية … وهذا التناقض شكّل نقطة ضعف للكتائب في موقفها المعارض.
في أي حال ميشال عون، اليوم، رئيس كل لبنان وكل اللبنانيين. والمعارضون لا يمكنهم معارضة الرئيس خصوصاً بعد دستور الطائف. لذلك لن يُحتسب أحد في المعارضة إلاّ إذا حجب الثقة عن حكومة العهد الأولى التي لن يكون مستساغاً عرقلة تشكيلها. صحيح ان «التكليف غير التأليف». إلاّ أن اللبنانيين لن يتساهلوا مع الذين سيعرقلون مسيرة العهد في إنطلاقته لأنّ الناس شبعت فراغاً وعرقلة وآن الأوان لقطاف ثمار شبه الإجماع الوطني على العماد عون في إطار مصالح الناس، ودفع الإدارات الى الإنتاج، وتطوير القوانين، وتدارك ما فاتنا على امتداد سنوات الحرب وما بعدها، ووقف قطار الفساد الذي يسرح ويمرح في هذا الوطن ذهاباً وإياباً دونما توقف، ودون حسيب أو رقيب.
وما يساعد على هذا الأمل هو الإستعداد الكبير من قبل الرئيس سعد الحريري في مقابل ما يعرف عن عدم إنغماس حزب اللّه في «مغانم» الدولة، والإستعداد، كذلك، الذي أبداه المعارضون أنفسهم لأن يتعاونوا مع العهد… وهذا واضح من مواقف وتصريحات عديدة!
هل نتفاءل؟
من حق اللبنانيين أن يتفاءلوا في وصول هذا القائد الكبير الى السلطة وهو الذي عُرف عنه العزم والإصرار والصبر والتنفيذ… ولقد يكون مطلوباً منه، في هذه البداية الوطنية الرائعة، أن يتوافق مع رئيس الحكومة وأركان الحكم على نسيان ما مضى وفتح صفحة جديدة تعيد لبنان ليس فقط الى الخريطة السياحية والإزدهار الإقتصادي وتعزيز المؤسسات (…)
إنما أيضاً في إعادته الى خريطة الدول غير الفاشلة.