من الصفات التي تطلق على القائد أنه لكثرة ما يرى أبعد من البقية لا يرى بالتالي كل شيء حوله. فما يحصل في العادة في الفلك المحيط بالقيادات غالباً ما تعتبره الأخيرة تفاصيل وزواريب لا يجب أن تُلهيها عن أهدافها الأسمى التي تخدم الجماعة وليس شخصها. هذه هي مشكلة العماد ميشال عون مع محيطه البرتقالي.
تخرج اليوم «الحرقة» التي يشعر بها «الجنرال» الى العلن بعدما تترجم أمامه عبارة علقها على جدار صالون الاجتماعات في دارته في الرابية: «أسوأ من النمّام مَن يتفاعل مع النميمة». هذه الآفة ذكّر بها محازبيه في آخر تعميم أصدره لهم بأن «انصرفوا الى البرامج المجدية بعيداً عن النميمة». مثل هذه العبارات يقولها اليوم لكل من اعتقل أو هجّر أو حمل يوماً منشوراً سرياً من «توجيهات القائد» ووزعه على طلاب الحرية والسيادة والاستقلال متحدياً الأمن والمخابرات والوصايات.
كل هذه المشاهد الصاخبة تحضر في ذهن عون، بحسب ما يؤكد زواره. معركة «الجنرال» الاولى هي الرئاسة أمس واليوم وغداً، ولكن ربيع ميشال عون يشتمل على معركتين أخريين: الداخل البرتقالي ومسألة التعيينات. في الرئاسة، تطل الوجوه البرتقالية من الناشطين او المؤسسين او الوزراء والنواب وكأنها لا تنتمي الى تيار زعيمه هو المرشح الاول لرئاسة الجمهورية. فهؤلاء يتحدثون في إطلالاتهم العامة عن عاصفة اليمن والموت الذي يتربص بالمهاجرين غير الشرعيين في أوروبا أكثر مما يتحدثون عن الفراغ الرئاسي في بلدهم.. وكيف أن ميشال عون هو المرشح الأكثر استحقاقاً لهذا المنصب.
«متضايق الجنرال» من الخلافات البرتقالية الداخلية بينما يخوض المعركة الأم في حياته السياسية. لا أحد ممن يقصده من «العونيين» يروي له غليله بأي فكرة او طرح. يقول مقرّبون منه: «لا أحد منهم يقصده إلا ليطلب شيئاً. ليس لأحد منهم ما يقدّمه». يتساءل هؤلاء: كيف لأصوات تخرج من بين هؤلاء لتتحدّث عن مرحلة ما بعد ميشال عون او عن «ميشال عون 2» في التيار او البديل للرجل؟ لا ينظرون إلى قائدهم إلا كبقرة حلوب، وينصرفون عن شؤون مناطقهم التي من شأن العمل فيها أن يخدم من موقعه معارك الرجل الكثيرة ومنها الرئاسية.
الواقع يقول إن التيار لم يفرز شخصية تتمتع بصفات القائد والكاريزما التي يتمتع بها «الجنرال». وينقل مقربون عن الأخير قوله إنه «لو لمس مواصفات القيادة عند أحدهم لتخلى عن الحزب وتفرّغ لمعركة الرئاسة». والأنكى أن جميعهم يعتبرون أنفسهم قادرين على ان يحلوا محله ولذلك يستعجلون إزاحته، فيصورون بذلك الرجل الذي أخرجهم إلى الضوء سياسياً أنه عقبة أمام وصولهم الى الزعامة.. كل على قياسه.
لم يفرز التيار قيادة فردية ولم يقبل قيادة جماعية. وجراء كل ما سلف، قرر العماد عون أن يجمع قريباً منسقي المناطق والأقضية في التيار ليبلغهم أنه سوف يشكل لائحة واحدة في التيار ليضع الجميع امام الخيار: «إما معي عبر هذه اللائحة أو مع اللائحة المنافسة، وإذا أنا خسرت فسأنسحب». يراهن ربما على أن تبعات مثل هذه الخطوة ستكون اللبنة الأولى لبناء التيار المؤسسة.
في المعركة الثانية، القاعدة لدى عون هي تطبيق القانون. صحيح أنه يريد شامل روكز لقيادة الجيش. يرفض أن يعمد وزير إلى ممارسة صلاحيات الحكومة بأسرها. وبالتالي المسألة بالنسبة إليه ليست بين «جنرالين» بقدر ما يمكن وصفها: «إما حكومة وليس وزراء بحجم حكومة أو لا حكومة». ويتردد أن عون سيكون واضحاً مع حلفائه في هذه النقطة تحديداً، وربما يتكشف المزيد بعد لقائه السيد نصر الله قريباً.. أو الأصح تعميم خبر اللقاء.
اما أفق الحوار مع القوات المرتبط بمعركة الرئاسة «فلا هو ماشي ولا متوقف»، بحسب مطلعين. وصل الى طريق مسدود بعدما هبت العاصفة السعودية في اليمن. فبرأي هؤلاء «ما زال 14 آذار يتنقلون منذ 2005 من استحقاق وهمي الى آخر، واليوم الموعد مع النصر السعودي الموعود». في هذا الإطار، يُنقل عن رئيس «القوات» سمير جعجع قوله لعون: «إذا جماعتك ربحوا في اليمن، فصحتين ع قلبك، واذا ربحنا نحن فبارك لنا».