ربما يحقّ للسوري وحده، أياً كان وضعه ووظيفته ومستواه ومكانه ومكانته، ان يطلق العنان لتبرّمه من الربيع العربي.. إذا شاء، ويكون محقاً في التبرّم. غيره من أهل الدول التي شهدت ذلك الحراك الانفجاري غير المسبوق، من تونس الى اليمن الى مصر وحتى الى ليبيا، يمكنه ان يشتغل على قصة المقارنة بين الذي كان والذي صار، ويسرح تحت الف عنوان وعنوان لبلورة رأيه، أكان هذا تبرماً وقنوطاً أو قبولاً بواقع مستجد ما كان ردّه الاّ سراباً في صحراء! لكنه في الاجمال، لا يستطيع ان يذهب بعيداً في بيانه التبرّمي، الا اذ كان من ايتام النظم التي بادت بعد ان سادت!
عرفان نظام الدين، أحد أبرز روّاد الاعلام العربي على مدى العقود الاربعة الماضية، من هؤلاء النخبويين السوريين، الذين لا يخطئون التشخيص أو توصيف مرارة الواقع الراهن، لكنهم لا يتراخون أمام اسباب النكبة ولا يلوّنون احكامهم بطريقة تخلط الوهم بالحقيقة وتغيّب المسؤولية عمن يستحقها وبامتياز لا شائبة فيه.
في كتابه «ربيع الدم والأمل» الصادر في بيروت عن «دار الساقي» تلخيص خلاّب راق وحار، لأوجاع السوريين الذين نُكبوا بنظامهم ثم ببعض معارضتهم ثم بالجحافل الظلامية التي أتمت دائرة العتمة.. والذين نُكبوا بعد ذلك، أو قبله وفوقه، بتلك الخرافة المسمَّاة المجتمع الدولي وبالتجاهل المريض لواحدة من أشنع وأمرّ وأفظع مآسي العالم الحديث، وبالتفرج على تدمير وحرق سوريا بأرضها وأهلها وبحضارتها التي لا تُقارن.. «حضارة ما بين النهرين وأوغاريت وافاميا وتدمر وزنوبيا ومعلولا وصيدنايا وحوران وبصرى الشام.. وحمص المجاهدة وحلب الشهباء ملتقى العالم في طريق الحرير ورمز الحضارة والتعايش. وحماة مدينة أبي الفداء وصولاً الى القامشلي والجزيرة»، وغير ذلك ما لا يُحصر من تراث بشري عزّ نظيره لكنه يحرق بهمّة عز نظيرها هي الأخرى.
عرفان نظام الدين، صاحب حظوة مع القلم والكتابة، مخضرم لمّاع، عَاصَرَ ايام العزّ في بيت أهله العريق في دمشق، ثم في بيروت ايام كبارها من كامل مروّة الى غسان تويني وما بينهما، يكتب عن بلده سفر الحزن على الذي صار بعد الذي كان، ويستشرف بعين المجرّب، الحصيف، الملتاع والمقهور، مآل الأمور ولا يرى في الأفق إلا الاسوأ.
في كتابه وجع أخضر لا ييبس ولا يمضي. وأسى طافح لا يخفّف من غلوائه استعادة الماضي ولا السؤال الاعجازي عن الآتي، طالما ان الحاضر نكبة تامّة تعطي عرفان وكل سوري، الحق في أن يربط الدم بالربيع.. ثم بالأمل سواء بسواء!