خاضَ «حزب الله» معركتَه في جرود عرسال وفليطا الحدودية اللبنانية ـ السورية، بالتزامن مع بدء معركة دخوله والجيش السوري إلى المنطقة السورية المحاذية للحدود الأردنية الواقعة في الجيب الشرقي من قطاع جنوب غرب سوريا التي تخضع لتطبيقات «اتّفاق خفض التصعيد» المبرَم بشراكة روسية ـ أميركية ـ أردنية. وتزامنَ مشهدا إخراج «جبهة النصرة» و«سرايا أهل الشام» من البقعة العُرسالية الحدودية اللبنانية ـ السورية، مع سيطرة الحزب والجيش السوري على 7 مخافر حدودية على الحدود السورية مع الأردن. وهذان التطوّران على الحدود مع لبنان والأردن، يأتيان بعد تقدّمِ قوات النظام و«الحزب» إلى نقاط على الحدود السورية مع العراق لتتّصل مع قوات «الحشد الشعبي» المتمركزة على الضفّة العراقية من الحدود.
والواقع أنّ النجاح السوري و«حزب الله» (وقوى أُخرى محسوبة على إيران) في السيطرة على الحدود مع العراق والأردن طرَح سؤالاً واحداً: لماذا غضَّت واشنطن الطرف ؟
هناك واقعتان حصَلتا أخيراً في ميدان هاتين الجبهتين، وتمّ التوقّف عندهما، نظراً إلى دلالاتهما في هذا السياق: الأولى تَخلّي قوات التحالف الدولي في منطقة الحدود السورية مع الأردن عن دعمِ حليفها «جيش أحرار العشائر» في وجه هجوم الجيش السوري والحزب على موقعه في تلّة الشعّار التي تتحكّم بنطاق شعاعي دائري في منطقة الحدود السورية مع الأردن يبلغ 30 كلم. ونَتج من سقوط هذا الموقع سيطرة الجيش السوري والحزب على 7 مخافر حدودية.
الواقعة الثانية تتمثّل بغَضّ واشنطن الطرفَ عن عملية التفاف الجيش السوري والحزب وراء القاعدة الأميركية في التنف، ونتجَ من ذلك وصولُهما إلى نقاط حدودية مع العراق تتّسم بأنّها استراتيجية ويوجد في طرفها العراقي المقابل، قوات من «الحشد الشعبي».
وفي الأردن، كما في لبنان، فإنّ عودة الجيش السوري إلى بسطِ سيطرته على الحدود معهما، يَطرح أسئلةً عن الاستتباع السياسي لهذ التطوّر؛ وذلك انطلاقاً مِن زاويتين؛ الأولى هل يُلزم هذا التطور الأردن ولبنان بتطبيع العلاقة مع النظام السوري بحكمِ أنه أصبح موجوداً على الضفّة الأخرى من الحدود، وانطلاقاً من اعتبار أنه يجب التعامل بواقعية مع المتغيّرات؟
أمّا الثانية، وهي مطروحة في عمّان أكثر، فتتّصل بالتحفّظ عن الانتشار العسكري الإيراني وخصوصاً عبر «حزب الله» مع الجيش السوري على الحدود السورية مع الأردن.
وبحسب معلومات ديبلوماسية لـ«لجمهورية» فإنّ عمّان صاغت إجابة عن طريقة تعاملِها مع الواقع الجديد على حدودها، خلاصتُه الآتي:
• أوّلاً، المهم للأردن ضمن أيّ واقع يتشكّل على الحدود السورية معه، هو أن لا تؤدّي تفاعلاته إلى المسّ بأمن الأردن.
• ثانياً، يتحفّظ الأردن عن وجود انتشار عسكري لإيران مباشر أو غير مباشر قرب حدوده، وسيعتمد في معالجته قنوات اتّصالاته العربية والدولية.
• ثالثاً، تعتبر عمّان أنّ وجود فرصة حالياً لفتح معابر حدودها البرّية التجارية مع سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري عليها، هو أمرٌ مفيد للبلدين.
الطرف الثالث المعني بمتغيّر عودة الحدود السورية (ناقص الحدود مع تركيا) إلى أيدي النظام، هو إسرائيل التي حملَ وفدُها الأمني الرفيع المستوى قبل أيام إلى واشنطن تحفّظَه عن نتائج توقيع أميركا مع روسيا اتّفاق خفضِ التوتّر في جنوب غرب سوريا كونه يَسمح لإيران و«حزب الله» بتنفيذ تموضعٍ عسكريّ في المنطقة السوريّة الحدودية مع الجولان المحتل.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ هذا الوفد الإسرائيلي الذي ضمَّ رئيس الموساد ديفيد كوهين، طرَح ضرورةَ إعادة مراجعة اتّفاق خفضِ التوتّر في جنوب سوريا، وذلك انطلاقاً من إخضاع هذه المنطقة لمقاييس مبدأ «منطقة العمليات» التي وضَعتها إسرائيل بعد حرب العام 1973، لتكون فيها القوات السورية محسوبةً على نحو لا تُشكّل خطراً على إسرائيل.. والجديد في تعريف إسرائيل لهذه المنطقة كما طرَحها وفدُها الأمني في واشنطن، أن تكون خاليةً من أيّ وجود عسكري لإيران و«حزب الله» فيها، وعلى هذه الأخيرة إخلاؤها والانسحاب منها إلى «خط الدفاع الأوّل عن دمشق» والذي يمتدّ من ديماس ـ قطنة ـ عرطوس ـ داريا إلى منطقة السيّدة زينب وفي اتّجاه عانقين نحو البادية، ما يعني أيضاً جعلَ منطقة دير أصفر ودير النصراني الموصلة إلى دير الزور خالية من الوجود العسكري الإيراني.
أمّا الخط الثاني الذي ترى فيه إسرائيل مصدرَ قلق لها وتُطالب واشنطن بضرورة التحرّكِ لمعالجة الوجود العسكري لـ»حزب الله» فيه، فهو خط شبعا ـ دير العدس والممتدّ من دير ماكر حتى الهبّارية في اتّجاه منطقة عين عطا وامتداداً غرب شرق «دير العدس»، ويبلغ طوله 76 كلم.
وتفيد معلومات متّصلة بهذا الملف، أنّ إسرائيل أبلغَت إلى واشنطن أنّها معنيّة بتحصيل إجابةٍ عن مطالبها هذه من خلال إعادة النظر باتّفاق خفضِ التوتّر في منطقة جنوب غرب سوريا، خصوصاً لجهة أن يشتملَ تصحيحها على تحديد جغرافي جديد لها، يناسب معاييرَ مصطلح «منطقة العمليات» المتوافَق عليه بين تلّ أبيب وواشنطن منذ العام 1973، وأيضاً لجهة إخراج «حزب الله» وإيران منها، إضافةً إلى معالجة الوجود العسكري للحزب على الخط السوري الممتدّ من خراج شبعا السوري حتى دير العدس.
وبحسب المعلومات أيضاً فإنّ المتوقّع أن ترفع واشنطن مطالبَ إسرائيل بخصوص التعديلات على منطقة خفضِ التوتّر في جنوب غرب سوريا إلى موسكو كونها الجهة الضامنة لمحور النظام ـ «حزب الله» فيها، وثمَّة توقّع يسود حتى في واشنطن في شأن أنّ موسكو لن تتحمّس لهذه المهمّة، وكلاهما الروس والأميركان يتوقّعان رفضَ إيران المطالب الإسرائيلية.
وفي المقابل فإنّ إسرائيل، بحسب مصادر مطّلعة، أبلغت من خلال وفدها الأمني الى محادثيه الأميركيين أنّها ستحتفظ بحقّ التدخّل لتعديل خريطة خفضِ التوتّر في جنوب سوريا في حال تمَّ تجاهل مطالبها، وذلك عبر سيناريوهين اثنين يجيزهما لها، بحسب ادّعائها، القانونُ الدولي: الأوّل الدخول إلى مسافة 30 كلم من المنطقة الحدودية السورية المجاورة للجولان، وذلك تحت مسَوّغ أنّ الأمم المتّحدة تسمح لأيّ دولة تُجاور دولةً يوجد فيها فلتان أمني أن تدخل لتثبيت الأمن في عمق 30 كلم داخل المنطقة الحدودية المجاورة لها.
وتقدّم إسرائيل دخولَ تركيا لمسافة 30 كلم داخل شمال سوريا تحت المسوّغ نفسِه من القانون الدولي، نموذجاً ستحتذي به.
أمّا السيناريو الثاني فيتمثّل بتكثيف الغارات الجوّية ضدّ قواعد الحزب في جنوب غرب سوريا والمنطقة الممتدّة على خط شبعا – دير العدس.
تُقلّل مصادر مواكبة لأجواء هذه المعلومات من إمكانية قدرة إسرائيل على تنفيذ تهديداتها، وعلى تجاوزِ إصرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يكرّر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروط الرئيس باراك أوباما عليه لجهة أنّ على إسرائيل أن تترك معالجة ملفّ الخطر الإيراني بكلّيتِه لواشنطن.
وتُحدّد هذه المصادر أيلول المقبل موعد امتحان لإسرائيل فيما إذا كانت مناورتها ستصل إلى درجة الانزلاق لحرب مع «حزب الله»، أم أنّها ستعمد إلى التكيّف مع الوضع الجديد على حدودها، مسَلّمةً لواشنطن أمرَ معالجة هذا الملف مع موسكو بنفَسٍ ديبلوماسي طويل.