كادت تهتزّ السماء ويطلّ الله من عليائه لشدّة صلوات الأهالي ومناشدتهم له أمام مراكز الامتحانات، «نجِّحلنا ولادنا». فيما القدّيس شربل احتار بأمر من يتكفّل، ريتا «المرعوبة» من الرياضيات، أو علي الذي لم يغفُ الليل وهو يعدّد الأنهر لمادة الجغرافيا، حتى إنّ الراهبة لم تعفِ هذا القدّيس من نواياها، فسلّمته أمرَ «وردات الدار»، التي كادت تتكسّر لحظة اتّكأ أحدهم على الحفّة منتظراً ابنَه، فعلت الصرخة… كيف بَدت كواليس امتحانات المتوسطة من شمال لبنان حتى جنوبه؟
دقّت الساعة الصفر وانطلقت الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة التي يشارك فيها 59 ألف و252 مرشّحاً، وسط تدابير أمنية مشدّدة وتعليمات صارمة؛ «الأهالي والتلفونات بَرّا، الشنط على البوّابة».
منذ السادسة والنصف صباحاً كان لـ«الجمهورية» جولة على عيّنة من مراكز الامتحانات التي شهدت مظاهرات على مداخِلها، وقد بدا لافتاً مستوى الارتباك في صفوف الطلّاب والأهالي الذين توافدوا باكراً مستفيدين من حضور بعض الأساتذة الذين أتوا لتشجيع تلامذتهم وتقديم توجيهات اللحظات الأخيرة، إليهم.
الجغرافيا «بيَّضتها»
كانت الطريق طويلة وشاقّة للوصول إلى ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في منطقة الجمهور، إذ شهدت زحمة سير خانقة، نظراً إلى ضيقها وعدمِ جهوزيتها لاستيعاب الكمّ الهائل من سيارات أهالي المرشّحين وأهالي طلّاب المدرسة الذين لم ينهوا بعد عامَهم الدراسي. لذا بدت الأجواء في محيط المركز متشنّجة، الأهالي يتأفّفون، لا مكان لركنِ سياراتهم، فيما الخوف تَملّكَ المرشّحين بعد وصولهم متأخّرين سيراً. وما زاد الطين بلّة، ضعف التعزيزات الأمنية؛ دركيّان فقط للتدقيق في أوراق أكثر من 200 مرشّح، ولضبط الأمن وحراسة البوّابة.
إلّا أنّ استياء الخارج لم يَنسحب على داخل المركز، إذ غَمر الهدوء أروقتَه. وفي هذا الإطار أعرَبت رئيسة المركز الأستاذة ماري نقولا خوري لـ«الجمهورية» عن اطمئنانها لانطلاق العملية، قائلةً: «لسنا في ثكنة، نسعى قدر المستطاع لتوفير الأجواء المؤاتية للمرشّحين الذين هم بمثابة أولادنا، وقد بلغ عددهم 240 تلميذاً، موزّعين على 12 غرفة، نحو 20 تلميذاً في كلّ قاعة، بإشراف 32 أستاذاً».
وتضيف: «منذ الصباح عقدتُ اجتماعاً مع الأساتذة، وأجمعنا على ضرورة ضبطِ الأجواء ومنعِ الهواتف حتى بين أيدي المراقبين، منعاً لأيّ بَلبلة، كذلك يتمّ التدقيق في الهويات وتَطابُقِها مع بطاقات الترشيح 3 مرّات منعاً لأيّ التباس أو تزوير».
وهنا تعتذر خوري على مواصلة المقابلة بعدما وصَلت مرشّحة ترتجف خوفاً، والدموع على خدّيها، لارتباكها من مسابقة الجغرافيا، وتَعجز عن الإمساك بالقلم، وتغمرها رغبة شديدة في التقيُّؤ… بعد الاستماع إلى تلك التلميذة والتأكّد من أنّ وضعَها الصحّي يَسمح لها بمواصلة مسابقتها الأولى، عادت إلى الغرفة بتشجيع من الأساتذة.
وعند التاسعة والنصف قرِع الجرس معلِناً انتهاء مسابقة الجغرافيا، وفي هذا السياق، أكّد التلميذ جان مارك ريمون مساعد من مدرسة «سيدة الجمهور»، «أنّ المسابقة سهلة، ومِن ضمنِ البرنامج، و«أهين» ممّا اختبَره في مدرسته».
فيما وَقفت مجموعة من الطلّاب من مدرسة «ملكارت» وأخرى من «فرير» فرن الشباك، و«الحكمة برازيليا» يتشاجرون في ما بينهم والحيرة تمتلكهم بالنسبة إلى السؤال الرقم 8، (أ) «أوضِح خطوة واحدة يمكن من خلالها تحسين واقع الطاقة الكهربائية في لبنان». فأجمعوا على عجزِهم عن ابتداع الحلول، على اعتبار، «الدولة وما حلِّتا نِحنا بَدنا نحِلّا؟». أمّا المرشحة ريتا فاعتبرَت أنّ الجغرافيا بيّضتها، ويمكن اعتبارُها فرصة لتجميع العلامات.
الرياضيات… «بيضة القبّان»
كلّما اقتربت الساعة العاشرة ازدادت صلوات الأهالي حرارةً، على اعتبار «هلّق مسابقة الـMaths». وأمام ثانوية شفيق سعيد في منطقة الشياح افترَش الأهالي الرصيف، وكلٌّ صلّى على طريقته. وبينما كان والد رياض منهمكاً في إسكات أحدِهم نسيَ يدَه على الزمور، قائلاً: «يا زَلمي إبني فوق عندو فحص»، همسَت خديجة لجارتها «والإمام علي إنّي ضوّيتلو شمعة لزياد في عنّايا».
في المقابل، شكّلت عبارة «نسِيت الـ calculatrice بَس أهلي رِجعوا بعتوَا» الأكثرَ تداولاً على ألسنةِ المرشّحين، الذين غاب عن بال معظمهم إحضارَ الآلة الحاسبة صباحاً لشدّة توجّسِهم من أيّ تغيير في نمط الأسئلة.
وبعدما دخلنا إلى المركز بدت الأجواء «زِت الإبرة بتِسمع رنّتا»، المرشّحون غارقون في مسابقاتهم، فيما رئيس المركز حسان عدنان الكموني يتأكّد من سير الامتحانات.
وفي هذا الإطار، قال كموني لـ«الجمهورية»: «يضمّ المركز 236 مرشّحاً موزّعين على 12 غرفة، بإشراف 32 معلّماً، وتعليماتُنا واضحة أنّنا لسنا في عزاء، لذا الابتسامة ضرورية إلى جانب الالتزام بالقانون». وأضاف: «مِن الواضح أنّ الطلّاب استعدّوا جيّداً للامتحانات، إلّا أنّ الخوف يكبّل بعضَهم، يبقى أنّ التركيز هو الأساس حتى اللحظة الأخيرة».
منذ الحادية عشرة والنصف بدأ الطلّاب بمغادرة الغرَف، وملامحُ الامتنان تغمر معظمهم، فتقول فاليريا عساف: «الحمدالله خَلت المسابقة من الأفخاخ»، فيما شقيقتُها ماريا أثنَت على «الوقت الكافي المخصّص للمسابقة». وحدَه حسين خرَج يتأفّف: «منذ صغري، أضيع بالواحد زائد واحد»، معتبراً أن «لا ذنبَ للدولة في رسوبه المرتقَب بالمسابقة، إنّما هو بطبعه يكرَه الرياضيات».
حماده يتفقّد الامتحانات
في موازاة ذلك، تَفقّد وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة سَير الامتحانات في بيروت، يرافقه المدير العام للتربية رئيس اللجان الفاحصة فادي يرق، ورئيس منطقة بيروت التربوية محمد الجمل ورئيسة دائرة الامتحانات هيلدا الخوري.
بدأت جولته في متوسطة جابر الأحمد الصباح، حيث عايَن غرَف الامتحانات وتحدّث إلى المرشحين، متأكّداً «من سهولة التعاطي مع الأسئلة المطابقة لمضمون المناهج»، مشدّداً على أهمّية الجوّ الهادئ الذي يوفّره المراقبون، ممّا يريح المرشّحين ويجعل أداءَهم أفضل».
ثمّ انتقلَ حمادة إلى ثانوية جبران غسان تويني في الأشرفية حيث كان التلامذة يُمتحَنون بمادة الرياضيات، وقد عبّروا عن «ارتياحهم للمسابقة ولطريقة طرحِ الأسئلة التي كانت واضحة وتُشبه ما درَجوا على تعلّمِه في المدارس». بعدها انتقلَ إلى ثانوية عبد الله العلايلي المخصّصة للتلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلّمية.
وعلى هامش جولته، قال حمادة: «لاحظتُ الارتياح والثقة والنجاح سائداً على غالبية الوجوه، وأتمنّى أن يستمرّ هذا الشعور في كلّ مواد الامتحانات. أمّا الخوف والهلع الذي كان يصيب المرشّحين وأهاليَهم عادةً فقد تبيّنَ أن لا مبرّر له». وأضاف: «إهتمَّ أعضاءُ اللجان الفاحصة ورئيسُها بتفاصيل الأسئلة ضمن روحيةِ الحِرص على المستوى التربوي وفي الوقت عينه على اللفتةِ الإنسانية وعدمِ التعقيد في وضعِ الأسئلة».
ولفتَ حمادة إلى أنّ «نسبة الغياب لا تتعدّى 3 في المئة، وهي نسبة متدنّية ومقبولة جداً، خصوصاً أنّ معظم المتغيّبين هم من أصحاب الطلبات الحرّة»، نافياً «وجود أيّ تسريبٍ للأسئلة».
إلى ذلك، يزور حمادة عند التاسعة صباح اليوم مركزَ الامتحانات الرسمية المخصّص للمرشحين ذوي الصعوبات التعلمية في متوسطة الأوروغواي في منطقة جسر الواطي، وعند العاشرة مركز الامتحانات المخصّص لسرطان الأطفال «سانت جود» في الجامعة الأميركية في بيروت.
في المناطق
وشمالاً، تَفقّدت رئيسة المنطقة التربوية نهلة حاماتي مراكزَ الامتحان، موضحةً «أنّ الطلّاب يُمتحَنون بأجواء يَسودها الهدوء، والمراقبة جيّدة ولا شكاوى، وقد بَلغ عدد الطلّاب الذين تقدّموا للامتحانات في طرابلس والشمال وعكّار 12697، أمّا عدد المراكز في طرابلس فهو 18، البترون 2، الكورة 5، بشرّي 1، زغرتا 6، الضنّية 4، عكار 23، المنية والبداوي ودير عمار 5 مراكز».
أمّا جنوباً فبَلغ عدد المرشّحين 4535 مرشّحاً توزّعوا على 24 مركزاً بين مرجعيون وبنت جبيل وحاصبيا. ووسط تدابير أمنية مشدّدة تَفقَّد رئيس المنطقة التربوية في النبطية أكرم أبو شقرا عدداً من المراكز، واصفاً «الأجواء بالطبيعية والهادئة، حيث لم تُسجَّل أيّة حادثة تُذكر».